لم تكن الجريمة الفظيعة التي شهدتها بلدة مزدة الليبية الأربعاء الماضي، وأدت الى سقوط 30 قتيلا و11 جريحا من البنغال والأفارقة، سوى عينة من الوضع المتأزم القائم في غرب البلاد بعد التدخل التركي السافر، وخاصة في ظل سيطرة جماعات المرتزقة والإرهابيين على منطقة الساحل الغربي، وعودة ظاهرة الإتجار بالبشر والدفع بمئات المهاجرين غير الشرعيين إلى قوارب الموت، في رحلة الإبحار نحو الضفة الشمالية للمتوسط.

وبينت من مصادر مطلعة في مزدة ، أن أحد تجار البشر في البلدة ويدعى يوسف محمد عبد الرحمان ( 30عاما )  كان يؤوي أعدادا كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول أفريقية وآسيوية في سكن جماعي بحي « باصور الجريد» بعد أن حصل منهم على مبالغ مالية متفاوتة ، مقابل وعده إياهم بتنظيم رحلات لنقلهم الى السواحل الإيطالية عبر نقاط عبور خاضعة للميلشيات الموالية للنظام التركي ، لكن سيطرة الجيش على البلدة الأسبوع الماضي جعله يتراجع عن وعده، خشية انكشاف أمره ،

وأوضحت المصادر أن المهاجرين دخلوا في جدال حاد مع صاحب المأوى ، ما جعله يطلق النار على عدد منهم ، فتقدم منه آخرون وافتكوا منه السلاح ثم أطلقوا عليه النار ليردوه قتيلا ، ولما علم أعوانه وأقرباؤه بالحادثة ، اقتحموا المأوى بسيارة مصفحة بعد أن أحدثوا ثغرة في الجدار بقذائف الأربي جي ، ونفذوا عملية إعدام جماعي في الموجودين هناك

ورد المراقبون الجريمة الى حالة الانفلات العام في مناطق غرب ليبيا في ظل سيطرة الميلشيات التي تتكون في جانب منها من المهربين وتجار البشر ، لافتين الى أن التدخل التركي زاد من تفاقم الأوضاع المأساوية بعد أن دخلت تلك الميلشيات في تحالف مباشر مع قواته ومرتزقته المنتشرين في المنطقة الغربية


وقالت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق بطرابلس الخميس، أن 30 شخصا قتلوا في عملية انتقامية بمنطقة مزدة نفذت على يد عائلة مهرب مهاجرين غير شرعيين ردا على اغتياله وأوضحت في بيان، أن أهالي المجني عليه قتلوا 26 شخصا من الجنسية البنغالية و4 أفارقة، وأصيب 11آخرون ، وكلهم من المهاجرين، وتابعت أنه تم نقلهم إلى مستشفى الزنتان لتلقي العلاج.

ووصف رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا، فيديريكو سودا جريمة مقتل المهاجرين باللاعقلانية والتي تذكّر بالفظائع التي يضطر المهاجرون إلى تحمّلها على أيدي المهرّبين والمتاجرين في ليبيا ، وقال : "تستغل هذه الجماعات الإجرامية حالة عدم الاستقرار والوضع الأمني لافتراس على الأشخاص اليائسين واستغلال نقاط ضعفهم".

وفي السياق ذاته، أفاد الطاقم الطبي التابع للمنظمة والذي أحال بعض من هم في حالة حرجة إلى عيادات في العاصمة بأن أجساد بعض المهاجرين تظهر آثار ضرب وإيذاء بدني قديمة.

وقالت المنظمة إنه مع استمرار النزاع بلا هوادة في العاصمة والمناطق المحيطة بها، تتدهور بسرعة أوضاع المدنيين، ولاسيّما المهاجرون والنازحون

 فيما أعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، عن إدانتها واستنكارها الشديدين حيال الجرائم والانتهاكات الجسيمة بحق المهاجرين واللاجئين الأفارقة في ليبيا والتي كان آخرها الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق عدد من المهاجرين في مدينة مزدة.



واعتبرت الوطنية لحقوق الإنسان حدوث هذه الجرائم والانتهاكات نتيجة لانهيار الأمن، وحالة الفوضى العارمة التي تشهدها البلاد وانعدام السيادة، مؤكدة أن هذه الأفعال تتنافى مع القيم الإنسانية والدينية والوطنية للمجتمع الليبي.

وطالبت اللجنة مكتب النائب العام، في وزارة الداخلية بحكومة الوفاق بفتح تحقيق شامل إزاء هذه الجريمة البشعة وغيرها من الجرائم والانتهاكات المشينة التي ترتكب بحق المهاجرين واللاجئين، وكذلك العمل على ملاحقة قادة عصابات الجريمة المنظمة وشبكات تهريب وتجارة البشر في ليبيا، وتقديمهم للعدالة لمحاسبتهم.