تشهد ليبيا حالة ارتباك بين الأطراف المتنازعة علي السلطة، حيث يجري التحضير للمؤتمر الليبي الجامع المزمع عقده خلال الشهر الجاري،والذي من المنتظر أن يدفع نحو إجراء انتخابات بهدف تصحيح الأوضاع الاجتماعية والأمنية التي تتخبط فيها البلاد منذ اندلاع الأزمة في العام 2011ورغم الآمال العريضة التي يفتحها المؤتمر الوطني الجامع، إلا أن الواقع على الأرض مازال ينضح بخلافات وصراعات متجددة بين الفرقاء تنذر بصعوبة احداث توافقات سياسية في البلاد في الفترة القادمة.

أزمة المجلس الرئاسي

ففي مشهد يعكس تصاعد الخلافات بين الفرقاء في ليبيا،شنّ أعضاء من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية،السبت 12 يناير 2019، هجومًا غير مسبوق على رئيس المجلس فايز السراج، وحمّلوه المسؤولية عمّا أسموه بـ"الانهيار الوشيك" لمؤسسات الدولة الليبية.

واتّهم الأعضاء الثلاثة، وهم أحمد معيتيق وفتحي المجبري وعبد السلام كاجمان، السراج بقيادة البلاد نحو مجهول قد يقودها لصدام مسلح من جديد، مؤكّدين أنّه يتحمّل تبعات وتداعيات الانهيار الوشيك لمؤسسات وهياكل الدولة وتشظي ليبيا الأمر الذي سيعود بالليبيين إلى نقطة صفر".

ودعا الأعضاء الثلاثة، السراج إلى "تحكيم العقل والعودة لروح المشاركة والتوافق وتغليب المصالح الوطنية الليبية على ما عداها من مصالح شخصية ضيقة"، وفقًا لنص البيان

ونوّه الأعضاء إلى "الاتفاق السياسي الموقع بمدينة الصخيرات المغربية والذي انبثق منه المجلس الرئاسي كأداة للحل بهدف إنهاء الانقسام وإعادة توحيد المؤسسات، وتوحيد الجهود لتحقيق الأهداف الحقيقية لأي حكومة وطنية يهمها مصلحة ليبيا وشعبها".مؤكدين أن "هذه الأهداف المتمثلة بمحاربة التطرف ورفع المعاناة عن المواطنين ومكافحة الهجرة غير الشرعية والتأسيس لدولة المواطنة من خلال رعاية وحماية الانتقال السلمي والسلس للسلطة لم تتحقق، بسبب سياسات السراج غير المدروسة وتصرفاته غير المسؤولة واستئثاره بالقرارات المهمة والمصيرية".

واعتبر البيان أن "استمرار السراج بذات النهج وبنفس السياسة القائمة على الإقصاء للشركاء الوطنيين بالمجلس الرئاسي واعتماده بصورة مطلقة على التحالفات العابرة للحدود، والاعترافات الدولية المرحلية، سيؤدي للانهيار التام ليس فقط للمجلس الرئاسي وحكومته بل للبلاد كاملة، ووحدتها واستقرارها وقرارها الوطني ومصالحها العليا"، حسب تعبيرهم.

وتصاعدت الانتقادات بشكل لافت ضدّ رئيس المجلس الرئاسي في ليبيا، فايز السراج من قبل أعضاء في المجلس،فالاثنين الماضي،طالب  نواب رئيس المجلس الرئاسي، لحكومة الوفاق الوطني أحمد معيتيق، وفتحي المجبري، وعبد السلام كجمان،وزارء الحكومة والأجهزة الحكومية الأخرى، بما فيها محافظ البنك المركزي، بعدم الاعتداد بقرارات رئيسي المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة، بشأن تعيين رئيس جديد لهيئة الرقابة الإدارية الذي يُعتبر أعلى سلطة رقابية في الدولة.

وقبل ذلك أصدر عضو المجلس أحمد امعيتيق،خطابا بشأن عدم قانونية تعيين فايز السراج بشكل فردي لحميدة بن عمر وزيراً جديداً للصحة،واعتبره تجاوزًاعلى الاتفاق السياسي، منتقدًا فردية السراج في اتخاذ القرارات ومطالباً كل الجهات الحكومية بعدم تنفيذ القرار.

وتشير هذه التطورات إلى تباين حاد في المواقف بين أعضاء المجلس الرئاسي الليبي،ويرى مراقبون أن المجلس منقسم بين طرفي نزاع الأول يضم أعضاء المجلس أحمد معيتيق وفتحي المجبري وعبد السلام كاجمان،والثاني يضم  فايز السراج وحليفه خالد المشري.

ويعزز هذه الفرضية الطلب الذي تقدمت به مؤخرا هيئة الرقابة الإدارية التابعة للبرلمان الليبي، برفع الحصانة عن رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ضمن التحقيقات التي تجريها بتجاوزات سابقة في "المؤتمر العام".

ويرى مراقبون، أن أسباب الخلافات الحادة هو تباين مصالح الأطراف الفاعلة في حكومة السراج، وكذلك بسبب الضغوطات الإقليمية والدولية على جماعات الإسلام السياسي في البلاد، بسبب فشلهم في تحقيق الأمن والاستقرار.

المؤتمر الجامع

وفي غضون ذلك،يواصل غسان سلامة المبعوث الأممي إلى ليبيا سلسلة تحركاته المكثفة إقليميا ودوليا وخاصة نحو دول الجوار الليبي بغاية الوصول في الأسابيع القليلة القادمة إلى تنظيم المؤتمر الوطني الليبي الجامع الذي قد يكون لبنة صلبة تفضي إلى توافقات بين الفرقاء الليبيين على رأسها إجراء انتخابات في ربيع العام الجاري.

وفي تطور جديد،جدد غسان سلامة،تأكيده أنه يتوقع إجراء الانتخابات الليبية قبل نهاية الربيع المقبل.وقال سلامة في مقابلة مع الإذاعة الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية،الجمعة، 11 يناير/ كانون الثاني،"أتوقع وأنا واثق من ذلك أن الانتخابات البرلمانية في ليبيا ستقام قبل نهاية الربيع المقبل". مبرزا أنه سيعلن بعد أسبوعين أو ثلاثة عن تاريخ عقد المؤتمر الوطني، الذي يجمع الفرقاء الليبيين لبحث سبل الخروج من الأزمة الحالية، دون تدخل الأطراف الخارجية، وذلك بعد الانتهاء من لقاء جميع الأطراف".

وأضاف سلامة موضحا:"التقيت بعض الأطراف، وأعتزم ملاقاة البقية في الأيام المقبلة، وحين أنتهي من مقابلة الجميع سأعلن عن تاريخ عقد المؤتمر الوطني، وأتمنى أن يكون ذلك بعد أسبوعين أو ثلاثة".ويأتي الإعلان الجديد للمبعوث الأممي لدى ليبيا كتتمة لما أعلنه في وقت سابق من العام الماضي أمام مجلس الأمن الدولي حيث تعهد آنذاك بإجراء الانتخابات الليبية في ربيع عام 2019.

ويُكثّف المبعوث الأممي جهوده المحلية والإقليمية في إطار التحضير لعقد الملتقى الوطني المرتقب، والتي يعتبرها مراقبون فصلاً جديدًا يراهن عليه الجميع لخروج ليبيا من أزمة تعيشها منذ سنوات.وأثمرت لقاءاته مع مسؤولين من الحكومة الجزائرية ومع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط حصوله على دعم من الطرفين لتنظيم المؤتمر الوطني الليبي الجامع الذي تدعمه أيضا تونس ومصر والمغرب.

ونصّت استنتاجات باليرمو على إقامة المؤتمر الوطني الجامع مطلع العام الجاري، وأعقبها إصدار رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج قرارًا بتسمية اللجنة التحضيرية للإعداد للمؤتمر.

وكان المبعوث الأممي غسان سلامة عبّـر عن ارتياحه للتقدم المحرز في الاستعدادات لعقد الملتقى الوطني الليبي "المؤتمر الجامع" بحضور مختلف الفرقاء الليبيين، مما يمهد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بعد استكمال المنظومة التشريعية الخاصة بها والمصادقة على الدستور.

الأوضاع الأمنية

على صعيد آخر،كشف المبعوث الأممي، أن اتفاق وقف إطلاق النار في منطقة طرابلس الكبرى محترم بشكل كبير، لافتا أنه يسهر رفقة 15 جنرالا من الشرطة النظامية على احترام هذا الاتفاق الذي يضمن الأمن في الشوارع والساحات الكبرى للعاصمة الليبية.

وأشار غسان سلامة، بالمجهودات التي يبذلها فتحي علي باش أغا وزير الداخلية الجديد بحكومة الوفاق الوطني، من أجل تعزيز سيطرة الأجهزة الأمنية النظامية،منوها باستبداله العديد من المسؤولين الأمنيين بالوزارة.وكشف سلامة، عن تواجد 15 مليون قطعة سلاح خارج السيطرة، مشيرا إلى أن سحب واسترجاع هذه الأسلحة لن يكون بين عشية وضحاها، وإن ذلك يمثل تحديا للجميع.

وتأتي تطمينات المبعوث الأممي في وقت تتواصل فيه المخاطر على الأرض،حيث أعلنت السلطات الأمنية في العاصمة الليبية طرابلس، الجمعة، عن تفكيك حقيبة متفجرة شديدة الانفجار بالمدينة، وقبل ذلك بساعات تعرض مركز شرطة الخمس، إلى هجوم مُسلح من قبل مجهولين، بالإضافة إلى أن عدة مقرات رسمية أخرى، تعرضت للإخلاء على خلفية تهديدات بعمل إرهابي محتمل ستقوم به عناصر تنظيم داعش.

وتواجه أجهزة الأمن والشرطة التابعة لوزارة الداخلية ضعفا كبيرا في التسليح والإمكانيات،وهو ما أكده فتحي باشاغا، وزير داخلية حكومة الوفاق الليبية، عقب استهداف وزارة الخارجية،في ديسمبر الماضي، حين وصف الوضع الأمني في العاصمة بأنه "فوضوي"،مشيرا إلى أن "موارد وزارة الداخلية وقدرتها اللوجيستية والمالية حاليا ومخازنها تساوي صفرا.