تملك ليبيا أكبر احتياطي نفطي في القارة الأفريقية، كما أنها تحتل المرتبة التاسعة بين عشر دول تتمتع باحتياطيات نفطية مؤكدة، بمعدلات تقدر 46.4 مليار برميل، أي نحو 3.94% من احتياطي العالم، و4.87% مما تنتجه أوبك.لذلك كان الملف النفطي أكبر المتأثرين بالفوضى التي تشهدها البلاد منذ إسقاط نظام العقيد معمّر القذافي سنة 2011.

وقد تتالت الهجومات على الحقول النفطية من جهات مختلفة ما أثّر بشكل عميق في موازنات الإقتصاد الليبي.من ذلك،أعلن تنظيم داعش المتطرف اليوم السبت مسؤوليته عن الهجوم الارهابي الذي استهدف على البوابة المعروفة محلية بإسم بوابة لوكسي  المؤدية إلى أحد الحقول النفطية الرئيسية بمنطقة حوض زلة وسط البلاد حيث تتمركز قوات الجيش بالقيادة العامة للقوات المسلحة.

وقالت مصادر أمنية محلية من المنطقة أن المجموعة تسللت من الصحراء وباغتت مجموعة الحراسة المكلفة ببوابة متقدمة تبعد 20 كلم عن حقل 47 التابع لشركة الزويتينة وخطفت عدداً من الأفراد وأقدمت على ذبح إثنين منهم أحدهم يسمى أيوب الجديد بوعمود الزواوي والآخر يسمى محمد جبريل.

يذكر أن حقل زلة النفطي 47، التابع لشركة الزويتينة للنفط يقع على بعد 20 كلم شمال غرب بلدة زله وهو متوقف عن العمل طيلة السنوات الماضية على خلفية الهجمات التي شنتها التنظيمات الإرهابية على الحقول النفطية في ليبيا، ويتناوب الموظفين بورديات عمل في الحقل لحمايته من أي عمليات تخريب أو سرقة من قبل الخارجين عن القانون. جغرافيا، يقع حقل زلة النفطي في  أقصى الجنوب في  منطقة بعيدة عن مركز مدينة سبها،حيث أن  الهجوم عليها وعلى المدن المجاورة أصبح سهلا في ظل انشغال الجيش في معركة العاصمة طرابلس.

في نفس الإطار، تطرح مسألة تتالي الهجومات الإرهابية في ظل إنشغال الجيش بعملية تحرير طرابلس حيث تعتبر عملية حقل الزلة الثالثة من نوعها التي  يشنها تنظيم داعش ضد الجيش في أقل من شهر بعد هجومين في الجنوب أحدهم إستهدف بلدة غدوة. هذا الهجوم يأتي في وقت،إعتبر المستشار السياسي المنشق عن القيادة العامة الليبي الأمريكي محمد بويصير إن عدم قبول التفاوض مع خليفة حفتر  لا يمكن أن يكون خيارًا عمليًا طالما بقى قريبًا من طرابلس، وكذلك استمراره في السيطرة على الهلال النفطي ملمحاً لضرورة مهاجمة المرافق النفطية. وقال بويصير في تدوينة عبر حسابه الشخصي على فيسبوك أن" تحقيق هذا المطلب السياسي يحتاج لترسيخه على الأرض أولاً، أي بإبعاد حفتر عن طرابلس وأيضاً إخراجه من منطقة إنتاج وتصدير النفط".

وكضرورة على شن تنفيذ هجمات لنزع سيطرة الجيش على المناطق النفطية المستقرة ، قال بويصير : "إن لم يتحقق ذلك،، لن يكون حفتر على طاولة المفاوضات فقط بل سيكون على أهم مقاعدها". من جانب آخر،إتجه الباحث الليبي الأمريكي حافظ الغويل المقيم في الولايات المتحدة أيضاً بدعوة أكثر صراحة لحكومة الوفاق بشأن ضرورة إحداث تغيير على الأرض من ضمنه إستعادة المرافق والحقول النفطية ، وهو عمل بطبيعة الحال لا سبيل لتنفيذه إلا العنف والحرب وفتح الجبهات على هكذا مواقع حساسة لها خصوصيتها.

وكتب الغويل قائلاً :"الشئ الوحيد الإستراتيجي الذي يجب أن تفعله حكومة الوفاق في الأيام الأسابيع القادمة هو الإنتصار على قوات ومليشيات حفتر على الارض بأي وسيلة ممكنة وبتأييد أي طرف كان وإلزامه على التراجع بفتح جبهات أخرى ضده ، خصوصاً في مواقع النفط والغاز ولو استطاعوا أن يفعلوا ذلك كل شئ سيتغير داخل ليبيا وكل المواقف الخارجية أيضاً"

أثارت هذه المواقف ردود فعل واسعة على فضاء التواصل الإجتماعي حيث ذهب البعض بربط هجوم حقل الزلة بهذه الدعوات خاصة و أن المنافذ بدأت تضيق على حكومة الوفاق في طرابلس. في نفس الإتجاه،اتهم عضو مجلس النواب، علي السعيدي، إحدى كتل المؤتمر الوطني السابق بدعم جماعات متشددة في ليبيا، منها تنظيمات داعش وأنصار الشريعة، والجماعة المقاتلة، قائلا إنها وفرت ملايين الدولارات لدعم الإرهابيين.

وأشار السعيدي في تصريحات صحفية إلى جرائم تنظيم داعش في طرابلس، بتفجيرها مقر المفوضية العليا للانتخابات، ومقر المؤسسة الوطنية للنفط، معتبرا أن حكومة الوفاق تمول جماعات إرهابية في البلاد، مرجحا وجود قادة لداعش في ليبيا، ومجموعات من جبهة النصرة الإرهابية.

سبق أن نُشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي من داخل العاصمة الليبية طرابلس تظهر فيها أعلام تنظيم "داعش" الإرهابي معلقةً على جسور المدينة، وأثارت هذه الصور الجدل مجدداً حول ماهية الكتائب المتحالفة تحت راية "حكومة الوفاق" الليبية والتي يُتهم الكثير منها بتبعيته لتنظيمي "داعش" و"القاعدة" الإرهابيَين وفق تقارير صدرت عن مصادر رسمية وصحافية، ليس داخل ليبيا فقط بل حتى خارجها أيضاً.

كما برز اسم شعبان هدية عضو تنظيم "القاعدة" في المغرب العربي والمكنى بـ "أبي عبيدة الزاوي" الذي يقود كتيبة من المتشددين تسيطر على مدينة الزاوية غرب طرابلس، وخالد الشريف وزير الدفاع السابق في الحكومة الليبية، والذي كان عضواً بارزاً في "القاعدة" في أفغانستان وله صور جرى تداولها على نطاق واسع في ليبيا، يظهر فيها إلى جانب إرهابيين معروفين على المستوى الدولي في جبال أفغانستان إبان الحرب السوفياتية فيها.

يرى مراقبون أن تقدّم الجيش الليبي في مختلف المحاور في طرابلس أحدث إرتباكا في صفوف حكومة الوفاق خاصة في ظل الفشل في حصد دعم المجتمع الدولي،من جانب آخر فإن دعوات أصوات مقربة للرئاسي بضرب المنشآت النفطية هي لامحالة بداية مرحلة الأرض المحروقة.