بقلم الدكتور محمد فنطر.

تمتدّ الصحراء بين أقطار إفريقيا البيضاء شمالا وأقطار إفريقيا السمراء جنوبا: تمثّل هذه وتلك فضاءات ثقافية فسيحة الأرجاء ثريّة: فهي أعراق ولهجات وأديان وعادات وتقاليد وفنون ورؤى. ولئن كانت فلواتها بلا حدود تقسو على الحياة، فلم تكن الصحراء حاجزا كتيما: بل فيها حركة دؤوبة حثيثة منذ العصور الحجرية. فالرّسوم والنقوش والنّقائش التي بها تتحلّى صخور تاسيلي وفزّان شواهد على ذلك لا تتحمّل الشك .لقد أغرت الصحراء القدماء: ففي القرن الثالث بعد ميلاد المسيح، روى المصنّف الإغريقي أثينايوس أنّ قرطاجيّا يدعى ماجون عبر الصحراء مرّات ثلاثا دون أن يتناول ماء وكان يقتات أطعمة جافّة. وأشار هيرودوتس إلى شبّان من قبيلة النّساميين  قاموا برحلة في عمق الصحراء حتى أدركوا عالم الزنوج. تحدّث المؤرخ الإغريقي هيرودوتس عن مغامرتهم قال : أقص عليكم ما سمعته من القورينيين فقد قالوا إنّهم ذهبوا إلى صوت أمون وتجاذبوا أطراف الحديث مع الملك اتياركوس ملك الأمّونيين، فجرّهم الحديث إلى نهر النّيل فتبيّن أن لا أحد يعرف شيئا عن مصدره وذكر إتياركوس أنّ نفرا من النّساميّين أقبلوا عليه يوما والنّساميّون قبيلة تسكن سواحل السّرت والرّبوع الممتدّة شرقه على مسافة صغيرة. فطلب منهم أن يتحدّثوا عن صحراء لوبة فذكروا أنّ فتية من أبناء الأعيان عندهم، لمّا بلغوا سنّ الشباب وغلظ عودهم واشتدّ، تصوّروا حماقة مضمونها أن يتمّ تعيين خمسة فتيان عن طريق القرعة يكلّفون بارتياد صحراء لوبة مع الحرص على التوّغّل في أعماقها وتجاوز الرّبوع المعروفة.