لعل مساحة الجزائر الأكبر إفريقيا والعشرة عالميا والمقدرة ب مليونين و 381 ألف و 741 كيلومتر مربع تجعله منها واحدة من المناطق الإفريقية والعربية الأكثر تنوعا للمناخ وللمكتنزات الثقافية داخلها المادية والمعنوية و للمعالم التاريخية والحضارية التي تجعها قبلة لكثيرٍ من الأوربيين وبعض العرب الذين عرفوا ويعرفون قدر هذه الثروة الطبيعية بامتياز المترامية الأطراف. ولكن العارف بواقع السياحة بالجزائر يعلم جيدا تأخرها على الأقل بالمقارنة بينها وبين جيرانها في كل من المغرب و تونس (قبل الإضطربات الأمنية في الثلاث سنوات الماضية) ومعها ومن خلال بعض المحاولات للمؤتمرات الدولية الخاصة بالسياحة التي تنظمها السلطات بين الحين والحين وكذا عقود الشراكة الأجنبية وفتح باب الاستثمار للخواص أكثر، تحاول الجزائر النهوض بهذا القطاع الذي يعول عليه الكثير في وقت ما يزال السجال حول أسباب تأخره محل جدال كبير في كونه تقاعسا من السلطات القائمة عليه أو ممن يفترض أنهم فاعلون فيه من وكالات ورجال اعمل ومختصين والذين تنتظر منهم السلطات تشخيص المشكلة للتحضير لأرضية مدروسة جيدة للارتقاء بعالم السياحة بالجزائر.

تعدد السياحة الجزائرية

 تحاول الجزائر زيادة الاستثمار في قطاع السياحة بهدف جذب نحو 3.5 مليون سائح سنويا بدءا من 2015 وذلك في إطار سعيها للحد من اعتماد اقتصاد البلاد على البترول والغاز فقط وهذا بالارتكاز على تنوع محيطها  من جبال عذراء منها الموجودة على الساحل الطويل للبحر المتوسط وعلى الصحراء ذات المناظر الخلابة والتي ورغم ذاك إلا أن الزائرين الأجانب لم يتجاوز عددهم المليونين في عام  2011. وإذا ما قسمنا تنوع السياحة بالبلاد إلى ثلاثة أقسام هي: الساحلية، الجبلية، الصحراوية، يكون السائح أمام نكهات تتباين حلاوتها قد يحتار في تذوق أي منها أولا..فطول ساحل البحر المتوسط الجزائري على امتداد 1200 كيلومتر يرسم فسيفساء طبيعية خاصة يمتزج فيها لون زرقة البحر باخضرار الغابات التي تلاقي شواطئ رملية أو صخرية من على سفوح سلاسل جبلية تجعلها الأكثر المناطق زيارة صيفا. والحديث عن الجبال بالجزائر يذهب بالقول إلى السلسلتين الجبليتين الشهيرتين الأطلس التلي والأطلس الصحراوي والذين بخطين متوازيين يرسمان عددا من البحيرات والسهول والمرتفعات التي تكسوها الثلوج شتاءا على غرار تكجدة و العمور وكثير من المحميات الطبيعة المحفوظة عالمياً. أما السياحة الصحراوية فتخص ثاني أكبر صحراء في العالم والتي تغطي مساحة 85 % من المساحة الإجمالية للجزائر. وتعتبر القبلة الأولى للسياح الأجانب لما لها من جمال أخاذ وروعة الجبال بسكونها وتعدد ألوانها وهي مشهورة بحظيرتي الهقار وطاسيلي ناجّر التي تشتهران برسومات تبين تاريخا يعود لثلاثة الآف سنة قبل الميلاد. كما و يبرز نوع آخر قد يصنف بامتياز الأول بالنسبة للسياحة الداخلية وهو السياحة الحموية من خلال أكثر من 200 منبع مائي معدني طبيعي تتوزع من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق.   

وكالات تشتغل دون تنظيم جيد

تنتظر الوكالات السياحية الجزائرية و بدرجة أكبر الخاصة فتح موسم العمرة للتركيز على إرسال اكبر قدر من الأفواج باتجاه البقاع المقدسة بالعربية السعودية وهو ما يدر عليها كثيرا من الأرباح وهذا وفق دفتر شروط تنظمه وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف كما تسمى بالجزائر هذه الهيئة الوصية تحاول في كل عام تعديل هذا الدفتر بما تراه انسب لعملية التنظيم. ولكن عمل هذه الوكالات بهذا الاتجاه الأحادي إلى الخارج والتركيز عليه يضعف بالمقابل السياحة الداخلية وكذا تدفق السياح الأجانب نحو الجزائر أكثر على اعتبار عدم الإهتمام بتحفيزهم وجذبهم. ويرى "حمزة بوقيراط" مدير وكالة ضيوف الرحمان السياحية بمدينة موزاية بمحافظة البليدة -50 كيلومتر جنوب العاصمة الجزائر- أن اهتمام وكالته بالحج والعمرة له أسباب أبرزها اهتمام الجزائريين بأداء الشعائر الدينية بمكة والمدينة المنورة أكثر منه اهتماما بالسياحة الداخلية رغم وجود عدد لا باس به بينهم من يقصد الوكالة للتوجه للمناطق السياحية الجزائرية خاصة في العطلة الصيفية أو العطلتين الدراسيتين الموسميتين، وقدر عدد الزائرين للعربية السعودية من خلال وكالته مع بدء كل موسم ب 500 حاج أو معتمر شهريا وقد يصل عند وكالات أخرى لها إمكانيات اكبر تصل الألفين أو أكثر شهريا وعلى النقيض من ذاك يقدر عدد الأفراد من أطفال وشباب وعائلات التي تقصد المخيم الصيفي السنوي بمدينة تنس الساحلية بمحافظة الشلف والذي تنظمه وكالة ضيوف الرحمان ب 320 فقط سنويا. وعن سؤالنا لأسباب عدم تخصيص الوكالة برنامجا لسياح الأجانب فأجاب السيد حمزة بأن الأمر بدرجة اكبر يعود للمشكل الأمني والذي رغم استتبابه الآن بالبلاد إلا  أن الذهنية الأجنبية وحتى ضمن القائمين على الوكالات لا تجعل بما كان المخاطرة بالتوجه إلى الأماكن السياحية خاصة الصحراوية والتي تحتاج توفير مرافقة أمنية وهذا لا يعني حسبه وجود عدد قليل منهم لان المؤسسات العمومية التي تشرف عليها السلطات كالوكالة الوطنية للسياحة والسفر تعرف تدفقا مشهودا للسياح خاصة مع نهاية السنة لقضائها بالصحراء الجزائرية حيث بلغ عام 2010 المليون و 400 الف سائح. كما أعاب محدثنا على السلطات تأخر حزمها للنهوض بالقطاع الذي بإمكانها التحكم في تطويره وهذا من خلال  فتح المجال كليا أو تسهيله أمام المستثمرين الخواص، ومحاربة الفساد والبيروقراطية محاربة فعلية وتخفيض أسعار رحلات الخطوط الجوية الجزائرية التي قال عنها أنها من بين الأغلى في العالم. ويكون بذلك "حمزة قيراط" صاحب وكالة ضيوف الرحمان قد سار في نهج تحدى رئيس النقابة الوطنية لوكالات السياحة والأسفار، "بشير جريبي" لوزير السياحة الجزائري إن كان بمقدوره تحريك النشاط السياحي وتجسيد إستراتيجية واضحة لتطوير القطاع، وقال في تصريح لجريد الخبر الجزائرية "منذ مجيء الوزير، والسياحة في تراجع مستمر، ولم يجتمع بنا كوكالات حتى ليعرف ما هي مشاكلنا". وأشار جريبي  " إلى أن تقرير التنافسية للسفر والسياحة لعام 2013، الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي في مارس  أدرج الجزائر في المرتبة 132 في قائمة الدول الأكثر تطورا في قطاع السياحة والطيران من ضمن 139 دولة، وكل هذه المؤشرات دليل على أننا نتراجع ولا نتقدم"

وتعمل الوكالات السياحية العمومية والخاصة بوصاية من الوزارة المعنية و تتعامل هذه الوكالات مع قائمين جهويين يوفرون لها زبائن تهمهم رحلات السياحة الداخلية أيضا للخارج والتي تعد فيها تركيا وتونس والمغرب من قبل أكثر الوجهات السياحية للجزائريين.

لماذا تركيا وتونس والمغرب؟

صنف التصنيف الدولي في السنوات الأخيرة مصر أولا في إفريقيا والشرق الأوسط من حيث استقباله لسياح بأكثر من 14 مليون سائح تلتها المغرب ب 9 ملايين و300 ألف سائح حسب تقديرات سنة 2010 بينهم 400 ألف جزائري يدخلون جوا على اعتبار غلق الحدود البرية بين البلدين. و يعوز ذلك إلى توفير الهياكل والمرافق بها بأثمان يراها الجزائريون أقل من الموجودة داخل بلدهم. و تقوم بعض الوكالات السياحية بالتعامل مع أصحاب الدخل المتوسط في رحلات داخلية من خلال التسديد عبر أقساط شهرية تستكمل قبل موعد الرحلات في محاولة لتسيير المخرجات والعطل عند بعض الجزائريين بهكذا طرق، وهو الشأن نفسه مع السياحة باتجاه أوروبا والى تركيا تحديدا والشرق الأوسط من خلال دبي  وبلدان المغربي العربي ممثلة في تونس والمغرب والتي باتت منافسة للسياحة الداخلية الجزائرية وباتجاه الجزائر وهو الأمر الذي ينعكس على دخول عدد اكبر من السياح الأجانب والذين قد يفضلون هذه الوجهات العربية والأوربية بالنظر إلى الهياكل والمرافق والثقافة السياحية التي قد تغيب في بعض الجهات الجزائرية ولا تشجعها لأنها أصلا لا تدرك أهميتها.

وتشير الأرقام الرسمية لوزارة السياحة الجزائرية إلى وجود 1200 فندقا من مختلف الأصناف بينها 900 فندق يتواجد في مناطق الشمال، 10 فقط منها من فئة خمس نجوم متواجدة بالشمال، سبعة في العاصمة على وجه التحديد هي الشيراطون و الهيلتون و الجزائر والأوراسي وسوفيتال وميركور وأوازيس، فضلا عن شيراطون وهران. بينما نجد أن دولة أصغر بكثير مثل تونس تمتلك 45 فندقا من صنف 5 نجوم، والمغرب 40 ومصر 100.

تونس الجزائر.. الميزان تغير

كانت تونس أكبر بلد أجنبي يقصده الجزائريون للسياحة بمقدار أكثر من مليون سائح سنويا من بين مليوني جزائري يتوجهون إلى الخارج وهذا قبل الأحداث الأمنية التي يشهدها البلد الجار للجزائر والذي كان يستقبل حتى سنة 2010 قرابة 7 ملايين سائح أجنبي إجمالا. ولعبت الحدود البرية والجوية بين البلدين المفتوحة دون عراقيل  الدور الأبرز، ولكن الأمور بدأت تأخذ مجرى مغايرا تماما في الثلاث سنوات الأخيرة ففي وقت أصبح الجزائريون يشعرون بالأمن الداخلي أكثر مع تضاؤل ذلك طرديا في تونس و أصبح  ما كان يُجنى من أرباح طائلة يعود للخزينة الجزائرية. و كان لحمالات الإشهار والإعلان دور كبير من خلال تشجيع المنتج السياحي الجزائري، يضاف إلى هذا تزامن العطلة الصيفية في المواسم القليلة الماضية مع شهر الصيام ما جعل الكثير يفضلون قضائه قريبا في بلديهم وسط الأهل. ولعبت جاذبية المنتجعات البحرية الساحلية الجزائرية على طوال 1200 كيلومتر دورا بارزة في انتعاش السياحة الداخلية الجزائريّة.

آليات دعم الجزائر للاستثمار والشراكة الأجنبية

على مدار السنوات الماضية باشرت السلطات الجزائرية حملة اقتصادية كبيرة خصصت لها أغلفة مالية ضخمة و منها القطاع السياحي عند الخواص الذي استفاد من آليات دعم متعددة بالملايير من العملة المحلية كما وسهلت لهم ومعها أساليب الشركة الأجنبية ودعمها من خلال تسهيل التعامل مع البنوك بما في ذلك من قروض بعيدة آجال التسديد والمنح والإعفاءات وعمليات توسيع الاستثمارات أكثر وفيما يخص تسهيل الحصول على العقار أيضا وهو ما خلق مستثمرات ناجحة بأتم معنى الكلمة، فالعام والخاص بالجزائر يتحدث الآن عن آفاق واعدة ومربحة لمن يهمه الاستثمار في المجال بالنظر للمقومات السياحية الطبيعية الموجودة وما رافقها من إرادة السلطات في بعثه.

و يعتبر خبراء وجزائريون وأجانب أن تطوير السياحة في بالبلاد يتطلب أيضاً إعداد إحصائيات موثقة من طرف مختصين تساهم في توجيه صناع القرار لبعث هذا القطاع الاستراتيجي والذي قد يدر ما لا تدره المحروقات العماد الأول لاقتصاد البلد الذي به أكثر من خمسة وثلاثين مليون نسمة. و لا يخفى على أحد أن الإعلام والدعاية فيه هي ابرز محاور المرور إلى ضفة الاحترافية في تسيير القطاع والنهوض به والذي بدوره يعتمد على كفاءات مهنية عالية وبخصوص ذلك وقعت الجزائر والمنظمة العالمية للسياحة منصف عام 2013 في العاصمة الجزائرية علي اتفاق يرمي إلى تنمية السياحة الوطنية عن طريق تحسين العرض وتكوين الموارد البشرية. و بمقتضي هذا الاتفاق سيتم تقديم المساعدة التقنية للجزائر لتطوير سياحتها الداخلية وإعداد إحصائيات موثقة حول قطاع السياحة وتحسين نوعية العرض وعملية الترتيب الفندقي وفق ما يتماشى عالميا.