مع احتدام الحرب الأهلية في ليبيا مرة أخرى، قد يصبح دور تركيا هناك أكثر أهمية.
فقد دعمت تركيا عملية حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي ساعدت الانتفاضة المسلحة الشعبية على الإطاحة بالعقيد معمر القذافي في عام 2011. ومنذ ذلك الحين، انحرفت سياسة تركيا تجاه الحرب الأهلية الليبية اللاحقة بشكل كبير عن سياسة حلفائها الغربيين ومعظم الدول العربية.
تدعم كل من مصر وحلفائها وروسيا الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر في مدينة طبرق بشرق البلاد. من ناحية أخرى، تدعم تركيا وقطر منافسي حفتر متمثلين في حكومة الوفاق الوطني، في العاصمة الليبية طرابلس.
تشير عدة حوادث في السنوات الأخيرة إلى أن تركيا تقوم بتزويد العناصر الإسلامية في ليبيا بالأسلحة في انتهاك واضح للحظر الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على شحنات الأسلحة إلى الدولة التي مزقتها الحرب. ففي يناير 2018، أوقفت اليونان سفينة متجهة إلى ليبيا من تركيا تحمل مواد متفجرة. وفي يناير الماضي، اتهم البرلمان في مدينة طبرق تركيا بدعم المفجرين الذين قتلوا 40 شخصاً بالقرب من مسجد في بنغازي.
لاحظ تحليل إسرائيلي لشحنة مكونة من ثلاثة آلاف مسدس تركي الصنع اكتُشفت في ليبيا في ديسمبر "من طبيعة الأسلحة المهربة، من الواضح إلى حد ما أنها لم تكن مخصصة للجيش النظامي، بل للأنشطة الإرهابية للجماعات المسلحة، وعلى الأرجح لمنظمات إسلامية مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين".
حدد المحللون دوافع تركيا في ليبيا وأهمية دورها في الصراع هناك.
وقال مصطفى غوربوز، الزميل غير المقيم في المركز العربي في واشنطن "لطالما كانت تركيا تشعر بقلق عميق إزاء صعود حفتر ... دعمت أنقرة البرلمان المنافس في طرابلس، الذي سيطرت عليه الأحزاب المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين - حزب العدالة والبناء والموالين لكتلة الوفاء لدماء الشهداء".
أعرب نيكولاس هيراس، الزميل في برنامج أمن الشرق الأوسط بمركز الأمن الأميركي الجديد، عن رأي مماثل.
وقال هيراس "لقد ارتبطت تركيا منذ فترة طويلة بدعم المنظمات الإسلامية في ليبيا، لا سيما الجماعات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. في هذا الجهد، كانت تركيا وقطر شريكتين وليس هناك خطأ في أن الموارد المالية الكبيرة من قطر وتركيا قد سُلمت إلى الجماعات الإسلامية في ليبيا التي تعتبر من ألد أعداء حفتر".
وحث هيراس على عدم المبالغة في تقدير دور تركيا في ليبيا. وقال "تستثمر مصر وحلفائها، وحتى دول مثل إيطاليا وفرنسا، في الصراع الفعلي والقتال في ليبيا أكثر من تركيا... لقد انخرطت تركيا أكثر في نهج القوة الناعمة تجاه ليبيا، وحاولت بناء نفوذ أكثر من محاولة تعبئة الميليشيات على أرض الواقع".
ففي منتصف أبريل، على سبيل المثال، أفادت أنباء بأن المملكة العربية السعودية وعدت بدفع عشرات الملايين من الدولارات لقوات حفتر لمساعدتها على إخراج حكومة الوفاق الوطني من طرابلس.
قالت جومانة جبارة، المحللة في شؤون الشرق الأوسط، إن تركيا استثمرت في المؤسسات الليبية عندما توقفت أنشطتها الاقتصادية نتيجة للصراع.
وقالت جبارة "لا يمكن أن يكون لتركيا وجود في ليبيا دون استثماراتها المالية هناك، والتي تأمل أن تفتح أسواقاً جديدة لها، وتسمح لها بالاستثمار في عملية إعادة الإعمار واختراق قارة أفريقيا".
تشير استثمارات تركيا وتسليحها للقوى الإسلامية إلى أنها تريد أن يكون لها رأي في مستقبل ليبيا. ففي نوفمبر 2018، بعد أن عارض حفتر مشاركة تركيا وقطر في مؤتمر باليرمو بشأن ليبيا، حذر نائب الرئيس التركي فؤاد أُقطاي من أن "أي اجتماع يستبعد تركيا سيكون له تأثير سلبي على التوصل إلى حل".
وقال غوربوز "تعتبر الحكومة التركية أن ليبيا تمثل مشهداً مهماً في مسرحية القوة الكبرى في البحر الأحمر".
ويعتبر غوربوز أن المصالح الاقتصادية لها "أهمية بالغة بالنسبة لتركيا في تشكيل سياستها في ليبيا".
وأردف غوربوز قائلاً "في عهد القذافي الراحل، كانت ليبيا سوقاً مهماً لقطاع البناء التركي ... لقد أثار غضب أنقرة توسع حفتر في شرق ليبيا، لا سيما في منطقة الهلال النفطي، بدعم من مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة".
ومن ثم، فإن استمرار أمن وبقاء حليف أنقرة في طرابلس "لا يزال ضرورياً لإعادة وتوسيع المصالح المالية لتركيا في البلاد"، على حد قول غوربوز.
وقال غوربوز "لدى الحكومة التركية خيارات محدودة للغاية في تشكيل مستقبل ليبيا، والتطورات الأخيرة في السودان تزيد من إضعاف أيدي أنقرة".
لم تكن تركيا تعارض حفتر على الدوام. ففي أعقاب الإطاحة بالقذافي، ساعدت أنقرة في توحيد مختلف الميليشيات وجماعات المعارضة المسلحة في ليبيا في جيش وطني.
وقالت جومانة جبارة "تعاون السيسي وحفتر لطرد تركيا من ليبيا، دون تحقيق النجاح، لأن تركيا كانت تتمتع بدعم قطر المالي والمعنوي لمقاومة حفتر ... دون دعم قطر المعنوي، كدولة عربية، إلى جانب مساعداتها المالية، لما تمكنت تركيا من تمويل وجودها في ليبيا".
وبغض النظر عن إرسال الأسلحة والذخيرة إلى منطقة الصراع، عرضت تركيا حماية عبد الحكيم بلحاج، الأمير السابق للجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، الذي قالت جبارة إنه "أدين بشن عدة هجمات على منشآت ليبية عامة وارتكاب جرائم زعزعت استقرار ليبيا".
بالإضافة إلى ذلك، منحت تركيا إقامة دائمة لشخصيات بارزة في مجلس شورى ثوار بنغازي وقدمت الحماية للعديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.
كما أن دور تركيا في الصراع يثير قلق بلدان المنطقة الأخرى.
ففي ديسمبر 2018، ندد مسؤول أمني جزائري بشحنة أسلحة تركية إلى ميناء ليبي بالقرب من الحدود الجزائرية، وهي الشحنة المذكورة أعلاه والتي تضم ثلاثة آلاف مسدس تركي، والذي وصفها بأنها "إعلان حرب حقيقي ضدنا". وأنكرت أنقرة أي تورط لها في الأمر.
وفي أوائل عام 2014، أشار تسجيل تم تسريبه بين مستشار الرئيس رجب طيب أردوغان ومسؤول تنفيذي في الخطوط الجوية التركية إلى أن أنقرة كانت تستخدم شركة الطيران، المملوكة للحكومة بنسبة 49 في المئة، لتوصيل الأسلحة إلى نيجيريا في انتهاك لعقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في هذا البلد. ونفت الخطوط الجوية التركية التقارير التي تفيد بتورطها في أي مخطط من هذا القبيل.