بدأت ملامح أزمة جديدة تطل برأسها في مدن المنطقة الجنوبية، بسبب نزوح آلاف السودانيين إلى المناطق الجنوبية الليبية، هربا من الحرب المستعرة في بلادهم منذ أبريل الماضي.

ورصدت تقارير عديدة وصول آلاف من السودانيين إلى منطقة الكفرة، وقد أصدرت العديد من  التحذيرات من مغبة تفاقم الأوضاع الإنسانية هناك بسبب عدم قدرة المدينة على إستيعاب العدد الكبير للنازحين السودانيين، خُصوصاً، وأنه لا يوجد أي تدخل من قبل الجهات الدولية المانحة ووكالات الأمم المتحدة المعنية بالإغاثة واللاجئين والمهاجرين والشؤون الإنسانية، أو الجهات الحكومية لمساعدة أهالي المدينة في مواجهة الأوضاع الإنسانية الطارئة التي تمر بها المدينة.

وقد حذر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، " فيليبو غراندي " في تصريحات صحفية له، من تدفقات جديدة للاجئين والمهاجرين غير النظاميين من السودان عبر ليبيا بسبب فشل الأطراف المتنافسة في السودان في التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار.

سكان الكُفرة واللاجئون السودانيون:

تشهد مدينة الكفرة إرتفاع في موجة توافد اللاجئين السودانيين الفارين من ويلات الحرب السودانية، والتي بدأت فصولها في 15 أبريل 2023 بين قوات الجيش السوداني بقيادة برهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، وما تزال مستمرة حتى الآن، مما تسبب في أكبر أزمة نزوح في العالم حسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية؛ ما يقدر بنحو 9.05 مليون نازح حتى تاريخ 31 ديسمبر 2023.

وفي آخر تحديث، أفادت مصفوفة النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أن حوالي 13,500 شخص قد نزحوا حديثاً في السودان خلال الأسبوع الماضي، ومع استمرار رحى الحرب لجأ العديد من السودانيين الى الأراضي الليبية، وكان لمدينة الكفرة النصيب الأكبر لموقعها الحدودي مع السودان، إلا أن الأزمة بدت تتفاقم هي الأخرى بالمدينة التي تعاني من نقص في الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، ناهيك عن الوافدين إليها. ويقدر عدد المهاجرين من دولة السودان بين 9 و10 آلاف فرد، حسب الإحصائيات الأولية التي رصدت من قبل المنظمات العاملة على الأرض.

ومن جهته قال الناطق باسم المجلس البلدي في الكفرة "عبد الله سليمان"، في تصريحات صحفية: أن اللاجئين السودانيين بدأوا يتدفقون إلى الكفرة بشكل لافت، مؤكدا أن أعدادهم في تزايد مستمر، بينما لم تتخذ الحكومتان " الوحدة الوطنية/ والحكومة الليبية" أي إجراءات بالخصوص.

 ولفت إلى أن البلدية عاجزة عن التعامل مع الأوضاع الجديدة في ظل إمكانياتها المحدودة، وكما أوضح أن اللاجئين يعيشون على المساعدات التي يقدمها الهلال الأحمر الليبي، أو من مبادرات أهلية من قبل سكان المدينة، لافتا إلى أن هناك مواطنا يقدم يوميا وجبة إفطار لأكثر من ألفي شخص، وقرية أخرى وفرت ألف بطانية للنازحين.

وأشار إلى أن اللاجئين يقيمون في بعض المنازل القديمة المهجورة والمزارع، منوها إلى أنه لا توجد إحصائية لعددهم حتى الآن؛ بسبب دخولهم دون إجراءات قانونية.

وعلى الصعيد آخر، قامت بتشكيل لجنة طوارئ بالخصوص لمحاولة احتواء الأزمة، ولكن هذه اللجنة -وحتى هذه اللحظة- لم تتلقّ أي دعم سواء من حكومة حمّاد التي تعتبر بلدية الكفرة ضمن حدودها الإدارية، ولا من حكومة الوحدة الوطنية التي هي الأخرى تتحمل مسؤولية أخلاقية اتجاه المدينة وسكانها، ووسط هذا التجاهل بدت تظهر مشاكل لا تقل عن الأزمة الرئيسية أهمية، منها:

إنهيار في القدرة الإغاثية والإيوائية بالمدينة، فعلى سبيل المثال تعمل جمعية الهلال الأحمر بمخزون إستراتيجي ضعيف جداً لا يلبي الإحتياجات الملحة للاجئين.

التصاعد المتسارع في إيجارات المساكن، فقد إرتفعت الأسعار بمعدل ثلاثة أضعاف عن ذي قبل، لتصل حتى 2000 دينار للشهر الواحد، كما أن أسعار المواد الغذائية هي الأخرى ارتفعت، وكذلك هو الحال فيما يخص البنزين والنافته على رغم من توفرها بشكل متقطع في مراكز التوزيع المعتمدة، إلا أن المحطات تشهد ازدحامًا رهيبا مما جعل “السوق السودا” تنشط بشكل استغلالي مقيت، حيث وصل سعر لتر البنزين إلى 7 دينارات.. يحدث كل هذا في ظل تجاهلٍ تام من الحكومتين بشرق البلاد وغربها، وغياب الدعم للمؤسسات المحلية كالهلال الأحمر وفِرق الكشافة، بالإضافة إلى غياب دور المنظمات الدولية عن هذه المأساة التي يعيشها اللاجئون السودانيون في مدينة الكفرة وتعيشها المدينة التي يقدر عدد سكانها بـ60 ألفًا، ولا تتوفر فيها القدرة الاستيعابية لهذا العدد من اللاجئين .

وتتمثل الاحتياجات المستعجلة للاجئين الذين يعانون البرد القارس في تلك الصحراء التي يشكل مناخها تحدياً آخر: " في توفير المواد الغذائية، وأواني الطهي والتدفئة، كما أن أغلبهم جاء على عجل هارباً من الموت، لا يضع على جسمه ما يحميه من قساوة البرد، ومن جهة أخرى، فإن الأطفال والنساء هم الفئات الأكثر هشاشة، ولا تتوفر للمرضى منهم أي مقومات رعاية صحية، ولا يستطيعون الوصول إلى الخدمات الصحية بالمدينة، ولا يقدرون على دفع تكاليف التنقل والعلاج والاستئجار ، ولا سيما أن منهم اعدادا جاؤوا وهم يعانون أمراضًا في الجهاز التنفسي ونزلات معوية حادة.

كل هذا يحدث أيضًا على مرأى ومسمع العالم أجمع، فلا حكومات حركت ساكناً ولا منظمات دولية رفعت معاناة أو خففت ألماً، ولا أغاثت ملهوفاً أو ضمدت جرحا. وحقيقة، لا أجد تفسيراً لماذا أدار الجميع وجوههم عن هذه الكارثة الصامتة؟ أهي حسابات سياسية أم متاجرات مؤجلة بملف إنساني؟ كان من الأولى أن يتسابق كل من يهمه الأمر لتقديم العون والمعونة ورفع المعاناة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وأنا أكتب هذه الكلمات الخجولة التي لا تفي وصف ما يحدث، ما يزال اللاجئون يتوافدون على المدينة، وما زالت البلدية تنتظر الغوث والمساعدة من الحكومات، وتظل الأعين معلقة في قافلة تأتي من هنا أو من هناك لسد الاحتياجات المستعجلة.

مخاوف من تفاقم الأوضاع:

 يرى مراقبون أن الأوضاع في السودان قابلة للانفجار، وأنه من المتوقع أن تستقبل المناطق الليبية الجنوبية مزيدا من الفارين من جحيم الحرب، خصوصا وأن الأمم المتحدة قدرت وفق تصريحات أخيرة للمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "فيليبو غراندي"، نزوح "حوالي ( ملايين شخص.

وتزيد المخاوف من أن المناطق الجنوبية التي تعاني من مشكلات متعلقة بالوقود والخدمات لا تستطيع مواجهة هذه الأزمة بمفردها، وهو ما يتطلب تدخلاً عاجلاً من قبل المنظمات الدولية المعنية بالنازحين.

وقبل أن نختتم استعرضنا للوضع الإنساني نود أن نلفت إنتباه القارئ إلى مسألة في غاية الأهمية، ألَا وهي مداومة البعض على شيطنة اللاجئين وإظهارهم بمظهر اللصوص أو المجرمين، ووصف عملية إيوائهم ونجدتهم بانتهاك للسيادة، هذه المفاهيم المغلوطة والمتكررة كارثة أخلاقيةقائمة بحد ذاتها، تجعلنا نعيد التفكير في مبادئنا ومفاهيمنا وأخلاقياتنا، ونتذكر بكل موضوعية وهدوء أن آلاف الليبيين عاشوا هذه الأوضاع الإنسانية والتجارب المرة عدة مرات خلال تاريخ ليبيا القريب والحافل جراء الحروب والنزاعات المسلحة التي شهدتها ليبيا، وأن الهجرة والنزوح هي مسألة إنسانية بحثة، لا دخل لنظرية المؤامرة بها.

يستوجب علي الجميع أن يتعاطي مع قضايا النازحين واللاجئين بعين الإنسانية، ونتحدث بلسان عدم التمييز والتحيّز، ونمد أيدينا بكل ود لكل من يحتاج إلى المساعدة، وهذا أسمى ما قد يتصف به مجتمع قائم على أحترام نفسه وتاريخه وتضحياته من أجل الحرية والحق والعدالة.