عندما تكثر المفارق الطرقية، لابدّ من وجود الشاخصات المرورية لتحديد الاتجاهات، والتعريف بأسماء هذه الطرق تسهيلاً للعبور، واختيار الأنسب منها، وشاخصات الإنسان الحياتية هي العقل المميز، والإرادة الدافعة والضمير الموجّه، وأعتقد أنّ لهذا الثالوث العظيم قيمة عظيمة في تصنيف مسالك الحياة ودروبها، وأهمية كبيرة في معرفة منعطفاتها وتضاريسها، وللسير في أيّ منها لابدّ من إشغال العقل وتحفيز الإرادة وتحكيم الضمير وهي على تنوعها تنتهي في نقطتين، الخير والشر... 

فمن امتلك العقل الراجح والإرادة الصلبة والضمير الحي يستطيع بكل يسر وأمان الوصول إلى ما يتمناه دون أن ينزلق إلى الصغائر أو يرتكب المعاصي والكبائر، وأما أصحاب العقول الصدئة والإرادات الضعيفة والضمائر الميتة فإنهم أبعد الناس عن بلوغ المجد أو حتى الاقتراب من سلّمه الذي لا وجود فيه للدناءات والأكاذيب والترّهات وأكثرهم تخبطاً وسقوطاً وأقربهم من مزابل التاريخ حيث تكون نهايتهم الأبدية ومستقرّهم الذي لا عودة لهم منه.‏ 

فالأمجاد لا تبنى على الكذب والمراوغة والخداع، والنجاح لا يأتي من التزوير والغش والوهم... والمستقبل لا يبنى على الرمال أو في المستنقعات، والحضور الاجتماعي لا يكون بالفجور والتطاول الحرمات، وقيمة المرء بما يعطيه لا بما يسلبه، ولعلّ أعظم الناس أصدقهم مع ذاته أولاً ومع محيطه ثانياً، لأنّ الصدق بوصلة العقل، ومرتكز الإرادة وناقوس الضمير، به تبنى الأمجاد ومنه يأتي النجاح وعلى قواعده يبنى المستقبل ومن سموه يكون السمو، ومن علوّ شأنه يُعلى الشأن ويتحقق الحضور.‏ 

فما أجمل أن تكون شاخصاتنا مضاءةَ بالصدق، ملونة بالحقيقة، مزخرفة بالمشاعر النبيلة والأخلاق الحميدة.‏ وما أجمل أن نختار المحبة طريقاً لبلوغ أهدافنا والنبل شعاراً لتحقيق آمالنا والوصول إلى غاياتنا.‏ عندئذ فقط يكون ثالوث الحياة في حالة لا يحتاج معها إلى الدخول إلى المشافي والاستشفاء، فهل سنفعل؟ آمل أن نجسّد هذه الثقافة في خطواتنا لأنّها ثقافة الأقوياء.‏