يفخر الليبيون بزيهم التقليدي لما يحمله من قيمة فنية تجمع بين جمالية التطريز والقماش، فهو حرفة توارثوها عن أجدادهم، حيث جعلوا له طابعه الخاص الذي يتفق مع ثقافتهم العربية الإسلامية ومع بيئتهم، فهو رمز اجتماعي تختلف أنواعه باختلاف المكانة الاجتماعية لمرتديه، كما أنه رمز للاحتفال والأصالة، إذ لا يكاد يغيب عن الحفلات والأعياد والمناسبات العائلية والدينية، وهو كذلك لباس يومي في أنواعه البسيطة، غير أن حضور هذا الزي بدأ يغيب شيئا فشيئا من الحياة اليومية وبقي حكرا على الاحتفالات والأعياد ما جعل صناعته تشهد كسادا تجاريا وبدأت أعداد المختصين في إنتاجه تقل لأسباب اقتصادية، وفقا لما نشرته صحيفة العرب اللندنية.
وفي السنوات الأخيرة بات هذا الزي يشبه القطع التراثية الفاخرة التي يرتفع سعرها ويقل ظهورها ويصبح اقتناؤها أمرا غير متيسر إلا للقلة. ورغم حرص الليبيين على زيهم الشعبي إلا أن صناعته مهنة تكاد تنقرض بسبب اقتصار الإقبال عليه على المناسبات والأعراس والأعياد الدينية ما يجعلها غير مجدية اقتصاديا ومصدرا غير ثابت ودائم للدخل.
ويقول صاحب محل ملابس تقليدية ليبية يدعى محمد الجالي إن على السلطات الليبية أن تهتم بهذه الصنعة وتشجعها وتضعها ضمن أولوياتها من خلال إعفاء مزاوليها وموادها الأولية من الضرائب، بالإضافة إلى إعادة تأهيل سوق الحرير.
ويشير الجالي إلى أن اتباع سياسة كهذه من شأنه المساعدة في استنهاض هذه المهنة والصناعة التقليدية وإنقاذها من الانقراض كونها أحد أوجه ليبيا الحضارية.
أما الحاج إبراهيم محمد الوحيشي وهو من أقدم ممارسي هذه المهنة فقال إن دخول "المكننة في صناعة الرداء التقليدي أثر بشكل كبير على الحرفة”، وأضاف الوحيشي الذي يعتبر من الحرفيين القلائل الذين مازالوا يمارسون الصناعة اليدوية والذين لا تتجاوز أعدادهم في طرابلس اليوم أصابع اليد الواحدة أن "الليبيين لم يعودوا يرغبون في تعلم صناعة يدوية، فالصغار يذهبون إلى المدارس ولا يرغبون في تعلم حياكة النول (أداة النسج) والصناعات اليدوية المرتبطة بصنعة الزي التقليدي وغيره".
وأعرب الوحيشي عن أسفه لما اعتبره “انتهاء عهد تعلم الصنعة”، مضيفا أنه على الحكومة الاهتمام بمدرسة فنون الصنائع والتي تضم حرفا كثيرة مختصة لا تقتصر على حرفة حياكة النول فقط، وقال إن العهد السابق أهمل المدرسة التي تعتبر الأولى وتكاد تكون الوحيدة من نوعها في شمال أفريقيا، داعيا الحكومة الحالية والحكومات المقبلة إلى الاهتمام بها "لإعادة مجد الصناعات التقليدية في عدة مهن، فهي إرث تاريخي وحضاري نفتخر به في طرابلس وليبيا".
وفي وصفه للزي الليبي يقول المواطن محمود الكحيلي "للزي الليبي التقليدي هيبة ووقار، فهو متنوع وبأشكال وألوان مختلفة يغلب عليها اللونان الأسود والأبيض”. ويضيف أن ما يحز في النفس هو أن غالبية الليبيين لم تعد ترتديه إلا في المناسبات العامة وخاصة الدينية وأثناء ليالي شهر رمضان المبارك وعند صلاة التراويح. وتابع قائلا "أنا أحرص على أن يرتدي أبنائي الزي الليبي التقليدي في أول أيام عيد الفطر وعيد الأضحى".
وبسؤال أصحاب محلات الأزياء التراثية عن مدى الإقبال على شراء الزي التقليدي يقول طارق الحوتي “هناك إقبال نادر وموسمي على الشراء لكنه قلّ كثيرا عما كان عليه في السابق"، ويضيف أن "الصنعة ولله الحمد لا تزال حية، إلا أن الطلبيات تكثر خاصة في فصل الصيف وعند قرب شهر رمضان والأعياد وطبعا الأعراس حيث يرتفع الطلب على الزي التقليدي وبشكل خاص النسائي منه".
لكنه أوضح أن "المعارض السنوية التي تقام للتراث أصبحت تفتقد إلى وجود أجنحة خاصة بالزي التقليدي رغم محاولات الحرفيين والمهنيين زيادة المشاركة في هذه المعارض سواء داخل ليبيا أو خارجها".
ولعل هذا التراجع في الحرفة والحضور اليومي للزي التقليدي الليبي إلى جانب ما تشهده ليبيا اليوم من نزاعات مسلحة ينذران بضرورة التفكير في كيفية الحفاظ على هذه الصنعة اليدوية القديمة وبوجوب تشجيع الشباب على ممارستها وعلى ارتداء الزي التقليدي واسترجاع بريقه الذي بدأ يأفل في خضم الانفتاح والحروب. كما ينبه ذلك إلى أن ما تمر به ليبيا من شأنه أن يمحو هويتها الثقافية الشعبية ويهدد موروثها الثقافي بكل ما يحمله من عادات وتقاليد وفنون شعبية متنوعة وثرية ثراء الشعب الليبي.