تتالى الاحداث في العاصمة الليبية طرابلس مع تواصل حدة المعارك التي تدور رحاها على تخومها منذ الرابع من ابريل/نيسان الماضي بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج الذي تحالف مع مليشيات "الاخوان" بدعم من تركيا وقطر لمنع دخول الجيش الليبي الى المدينة وانهاء حالة الفوضى فيها.

وفي الوقت الذي يواصل فيه الجيش الوطني الليبي توجيه ضربات موجعة للمليشيات المسلحة،تتكشف أزمة حكومة الوفاق مع تصاعد الحديث عن وجود صراعات كبيرة في صفوف المليشيات وخلافات بين السراج وتيار الاسلام السياسي وهو ما من شأنه تفكيك التحالف الذي تعول عليه حكومة السراج للبقاء في العاصمة.

وتزايد منسوب التوتر بين المليشيات في العاصمة،حيث قال مصدر عسكري إن قذائف هاون أطلقتها ميليشيات في العاصمة الليبية طرابلس، سقطت داخل مطار معيتيقة الدولي ظهر اليوم السبت، ما تسبب في تعليق الرحلات.وبحسب المركز الإعلامي لعمليات الكرامة فإن القذائف التي أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لميليشيا ثوار طرابلس "استهدفت قوة الردع المتواجدة بالمطار والمشرفة على سجن به".

وقالت إدارة المطار عبر صفحتها الرسمية على الفيسبوك إن القصف "تزامن مع وصول رحلة شركة طيران البراق من إسطنبول، والخطوط الليبية القادمة من الأراضي المقدسة بمجموعة من حجاج بيت الله الحرام".وأضافت إدارة المطار بأنها "اضطرت إثر هذا القصف إلى تعليق الملاحة الجوية من وإلى المطار إلى حين إشعار آخر، وتحويل باقي الرحلات إلى مطار مصراتة".

وتداولت تقارير اعلامية خبر القاء القبض على أحد مقاتلي كتيبة ثوار طرابلس، عبدالرحمن محمد عبدو، الملقب بـ"الزيقرا"،من طرف قوة الردع بمطار معيتيقة الدولي، وهو في طريقه إلى تونس العاصمة.وعقب ذلك أمهلت ميليشيا ثوار طرابلس قوة الردع 48 ساعة لإطلاق لاطلاق سراح القيادي التابع لها.

وأكد مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني، والمتحدث باسم غرفة عمليات الكرامة العميد خالد المحجوب، القبض على أحد المسلحين الذي يقاتلون تحت راية حكومة الوفاق، عبدالرحمن محمد عبدو.وأوضح المحجوب في تصريح نشرته وكالة الأنباء الليبية "وال"، أن عملية القبض تمت أثناء محاولة هروب "الزيقرا" إلى تونس، وقد تم القبض عليه أثناء صعوده للطائرة التي كانت تقصد تونس العاصمة.

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية،عن مصادر ليبية أن كتائب "ثوار طرابلس" تتوعد قوة الردع، وأن اشتباكات وقعت الجمعة، وأن هذه الاشتباكات ناتجة عن القبض على "الزيقرا".وبحسب المصادر فإن "الزيقرا" متهم بعدة قضايا جنائية، ومطلوب لدى الأجهزة المختصة في العاصمة، وأن عملية إلقاء القبض عليه، تمت لإحالته للتحقيق في القضايا المتهم فيها، والتي من بينها قتل عناصر أمن.

وتكررت الاشتباكات بين المليشيات المسلحة مؤخرا في مشهد يؤشر على هشاشة تحالفها.حيث اندلعت مساء الثلاثاء الماضي،اشتباكات عنيفة عند البوابة المعروفة ببوابة الـ17 على الطريق الساحلي الرابط مدينتي طرابلس والزاوية ،بين "كتيبة معمر الضاوي" التابعة لوزارة دفاع حكومة الوفاق و"كتيبة فرسان جنزور" التابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق. 

وأصدرت غرفة عمليات المنطقة الغربية التابعة للجيش الوطني ،تحذيرا لكل أهالي الزاوية بعدم استخدام الطريق الساحلي نحو بوابة 17 ،فيما  ذكرت مصادر متطابقة ،وقوع خلافات واحتقانات كبيرة بين التشكيلات المسلحة المختلفة التابعة لقوات حكومة الوفاق.وقال المركز الإعلامي لغرفة "عمليات الكرامة"، التابع للجيش الوطني، إن ما وصفه بصراع الميليشيات وعبثها "أدى إلى إغلاق الطريق الساحلي ببوابة منطقة الدافنية، وذلك على خلفية مخالفات وصراعات النفوذ، وسيطرة ميليشيا السويحلي على مقر ما يعرف بمبنى المخابرات بالعاصمة طرابلس.

وبالتزامن مع الصراعات في محاور القتال،تشهد حكومة الوفاق خلافات كبيرة في ظل توتر العلاقة بين رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج وتيار الاسلام السياسي المتحالف معه.وقالت صحيفة "الشرق الأوسط" أن السراج،يتعرض لحملة انتقادات لاذعة غير مسبوقة من القنوات الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا التي وصفته بأنه "ليّن" في مواجهة المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني.

وأضاف الصحيفة،بدا للوهلة الأولى من خلال تصريحات المنتمين لتيار الإسلام السياسي، والمحبين له من أعضاء المجلس الأعلى للدولة، مثل محمود عبد العزيز، عضو المؤتمر الوطني العام (المنتهية ولايته) عن حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، أنهم غير راضين عن أداء قوات حكومة الوفاق في معركة طرابلس العسكرية، وقد عزز هذه الموجة الهجومية ما قاله مبكراً عبد الله الرفادي، رئيس حزب الجبهة الوطنية، إن "الأيادي المرتعشة لا تستطيع أن تقود حرباً"، وإن "حكومتنا لا تسعى للانتصار"، في إشارة إلى السراج وحكومته.

وزادت الضغوط الدولية للعودة للحوار ووقف القتال من حدة الانقسامات داخل حكومة الوفاق حيث يدعم السراج والبعض من مستشاريه وقف اطلاق النار والعودة للعملية السياسية فيما يرفض تيار الاسلام السياسي بقيادة فتحي باشاآغا المقرب من جماعة الإخوان المسلمين وتحديدا حزب العدالة والبناء ذلك. 

وبحسب صحيفة "العرب" اللندنية،يحاول الإسلاميون تأجيج غضب الميليشيات علي السراج من خلال تسريب ما دار خلال آخر مجلس وزاري عقد مؤخرا.حيث أعرب أشرف الشح عضو الحوار السابق (الصخيرات) عن تفاجئه بما بلغه عن اجتماع مجلس وزراء حكومة الوفاق الأربعاء في العاصمة طرابلس، مؤكدا حصوله على معلومات عن الاجتماع من خلال أعضاء في الحكومة.

وقال الشح في تصريحات لقناة "ليبيا لكل الأحرار" إن هذا الاجتماع تم بعد عودة فايز السراج ومستشاره الأمني تاج الدين الرزاقي من إجازتهما في لندن والقاهرة "ليباشرا ممارسة اللف والدوران". ونقل الشح عن السراج قوله في مستهل الاجتماع "يجب أن نفكر في كيفية الوصول إلى السلام وإنهاء الحرب وتقديم تنازلات سلام مؤلمة".

وأضاف قائلا "السراج تحدث وكأنه هو من بدأ الحرب وأنه هو من يملك قرار إنهائها، كما انه طلب من وزرائه طرح تصورات للسلام لأن الحرب طالت ويجب الخروج منها بأقل خسائر". وكشف الشح عن حدوث خلاف داخل الاجتماع تخلله اعتراض من بعض أعضاء الحكومة عن هذا الطرح الذي وصفه بالترويضي من السراج وسيالة.

وأكد أن وزير الداخلية فتحي باشاغا كان أول من اعترض على هذا الطرح واعتبره استهانة بدماء من يقاتلون في الميدان. وليست هذه المرة الأولى التي تخرج فيها خلافات حكومة الوفاق إلى العلن حيث سبق أن اتهمت قيادات محسوبة على الإسلاميين السراج وفريقه بعدم الجدية في التعاطي مع معركة تحرير طرابلس مستندين في ذلك إلى رفضه تمويل جبهات القتال.

وفي غضون ذلك،تتواصل التحشيدات وسط حديث عن معركة جديدة،قال مصطفى المجعي، المتحدث باسم عملية بركان الغضب التابعة لحكومة الوفاق، أن قوات حكومة الوفاق تستعد للمعركة الكبرى.وقال المجعي لوكالة "سبوتنيك" إن المعركة الكبرى التي تستعد لها قوات الوفاق تبدأ بدخول مدينة ترهونة والسيطرة عليها.

وبدوره ألمح احميدة الجرو الناطق باسم لواء الصمود بقيادة المطلوب دوليا صلاح بادي (ميليشيا إسلامية ينحدر مقاتلوها من مدينة مصراتة)، إلى أن قوات لواء الصمود تستعد لخوض معركة جديدة في طرابلس.وقال الجرو في تدوينة على صفحته بموقع فيسبوك الجمعة "كل شيء الآن أصبح جاهزا.. وقريبا الخبر الجميل الذي سيسعد كل الأحرار الشرفاء الرافضين لحكم العسكر".

وتشير هذه التطورات الى مساعي تيار الاسلام السياسي لتحشيد المليشيات بهدف مواصلة القتال،وأكد عضو مجلس النواب عن مدينة طرابلس علي التكبالي في تصريح خاص لصحيفة "الدستور" المصرية،الجمعة عن أن ميليشيا فجر ليبيا تحضر نفسها للهجوم ثانيا على العاصمة طرابلس وسرقة مؤسسات الدولة،مشيرا إلى أن هذا يعكس الهجوم المركز من قبل هذه الميليشيات على رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج.

وأوضح أن الذين يقودون مدينة مصراتة عكس التيار إجتمعوا لإعادة عملية "فجر ليبيا" وتوحيد ما أسماه بـ "الحشد الظالم" من مصراتة إلى رأس جدير لمجابهة الجيش المنتصر.ولفت عضو مجلس النواب إلى أن قوات الردع المتحالفة مع فلول المليشيات المتناثرة تسعى هي الأخرى للسيطرة على العاصمة.

ويجمع المراقبون على أن قوف تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" ضد انتصارات الجيش الليبي،كشف النوايا المشبوهة للجماعة ودعمها للتنظيمات الارهابية التي تنشر الفوضى في البلاد.وباتت كل مخططات المجموعات المنتمية إلى الإسلام السياسي في ليبيا مكشوفة لدى الشعب الليبي الذي أدرك أن هذه التنظيمات لا تحاول إلا السيطرة على الحكم وتنفيذ مشروعها التخريبي في المنطقة عبر تسليم ليبيا لتركيا التي تسعى لنهب ثرواتها وتمرير أجنداتها في المنطقة.

وبالرغم من اجماع الكثير من المتابعين للشأن الليبي على ضرورة انهاء الصراع المسلح بين الليبيين وحقن الدماء والذهاب الى طاولة الحوار أملا في الوصول الى تسوية تنهى الأزمة الشائكة،فانهم يشيرون من جهة أخرى الى أن أي استحقاق قادم في ليبيا لا يمكن تحقيقه في ظل وجود المليشيات المسلحة وسيطرتها على مؤسسات الدولة مع ضعف حكومة السراج وعجزها،ويؤكد هؤلاء أن دخول الجيش الى طرابلس واستعادة سلطة الدولة من شأنه وضع ليبيا في الطريق الصحيح نحو بداية البناء.