أبرز أحداث العام المُنصرم في مصر هو ثورة "30 يونيو" التي أدّت إلى عزل الرّئيس الإخواني محمّد مرسي، لرغبة قيادات الإخوان المسلمين في السيطرة على مؤسسات الدولة تنفيذا منها لمخطط يقوده تنظيمها الدولي.
انتهى عام 2013 على المصريين، مليئاً بالأحداث المرتبطة في العام الجديد 2014، والذي ينتظر أن يكون بداية للاستقرار وإعادة للبناء، بعد أن كان العام المنصرم مليئاً بالهدم والعنف والدماء، ولكن يبقى الحدث الأبرز لدى المصريين هذا العام، هو التخلص من حكم جماعة الإخوان المسلمين، التي وصلت إلى السلطة بنفس القدر الذي سقطت به من على كرسي الحكم في 3 تموز/ يوليو 2013، عقب ثورة شعبية في 30 حزيران/ يونيو من نفس العام، بمساعدة مؤسسات الدولة العميقة للشعب، المتمثلة في الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، وهي عناصر أساسية تمثل فيها الخطايا السبع لسقوط حكم الجماعة.
الصعود السريع والسقوط المدوي للجماعة جاء بالمقام الأول لرغبة قيادات الإخوان في الداخل والخارج، في السيطرة على مؤسسات الدولة في إطار تنفيذ مخطط الأخونة، الذي لم يقتصر على مصر فقط، فهو مخطط نفذه التنظيم الدولي للجماعة بقدر كبير في تركيا من خلال حزب "العدالة والتنمية"، وفي تونس عبر حزب "النهضة"، وهو ما يرتبط بعلاقة متينة مع النظام السوداني، الذي يقوم أيديولوجياً على أعمدة هذا التنظيم، ونفس الأمر ينفذ من خلال الحكومة المغربية تحت رئاسة "بنكيران"، الطامحة لتغيير النظام الرباطي القائم على حكم ملكي قوي.
جماعة "الإخوان"، التي وصلت إلى السلطة، وهي محاطة بعشيرة خارجية تساند مخطط تحكمها في دولة كبيرة بالمنطقة مثل مصر، جعلها ترتكب 7 خطايا قائمة على الغرور في الأساس، بعد أن حصلت على أكثرية داخل البرلمان، وصعد أحد قياداتها، محمد سعد الكتاتني، إلى رأس السلطة التشريعية، وذلك بالتزامن مع سيطرة كوادرها على الشارع، وتكوين قطاعات شعبية تسير تحت راية الجماعة، بالإضافة إلى تحالفها مع السلطة المسلحة، وهو المجلس العسكري بقيادة المشير حسين طنطاوي في صفقة مريبة، مقابل الخروج الآمن من السلطة.
الخطيئة الأولى، اللهث وراء السلطة، فظلَّت هذه الجماعة تطمح إلى كرسي الحكم، بفكرة عودة الخلافة الإسلامية التي سقطت مع انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، ليأتي المرشد والمؤسس للجماعة، حسن البنا، بطموح الحكم الإسلامي، ولتنفيذ هذه الفكرة دخل المرشد في حالات من التودد إلى الملك فؤاد ثم نجله فاروق، ليظل الحلم مداعباً للأجيال الجديدة طيلة الحكم الجمهوري مع عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، وسط عقود من القمع والعمل السري، إلى أن جاءت ثورة "25 يناير" التي كانت الفرصة الذهبية لقيادات الجماعة، ولكن لهث الإخوان للفوز بالسلطة سريعاً، جعلها تقع في الفخ، بتحمل أعباء قادرة على دفن أي تيار سياسي يصعد إلى سلطة دولة تعاني من فساد وهلاك وفقر واقتصاد مضمحل، فجاء التنظيم الذي ظل طيلة 84 عاماً يعمل في الخفاء، ومع صعوده إلى أرض الواقع، وجد نفسه مرتبكاً ومتخبطاً لأنه لم يتحمل من قبل مسؤولية دولة وشعب.
الخطيئة الثانية لحكم الإخوان، هي الصدام مع أجهزة الدولة السيادية لتنفيذ مخطط الأخونة لفرض سيطرته على الدولة، ومن ثم تثبيت دعائم حكمه، ولكن الدولة المصرية العميقة القائمة على هذه الأجهزة، كانت الحبل الحقيقي الذي وضعته الجماعة ومندوبها في قصر الاتحادية الرئيس المعزول محمد مرسي، على رقبة هذا التنظيم ليدخل مرحلة الموت البطيء، ولم يكن الصدام الأول للجماعة مع هذه الأجهزة هو إعادة هيكلة المجلس العسكري السابق، وعزل وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان في آب / أغسطس 2012، حيث كانت إعادة الهيكلة مطلباً من قيادات المجلس العسكري للتخلص من الحمل الثقيل والحصول على صكوك الخروج الآمن، ولكن الصدام الحقيقي كان في ذكرى انتصارات أكتوبر، عندما ذهب "مرسي" للاحتفال مع تيار الإسلام السياسي بذكرى حرب أكتوبر، واضعاً في الصفوف الأولى قتلة بطل الحرب والسلام الرئيس الراحل أنور السادات، بينما كانت مقاعد قادة الجيش أصحاب هذا الاحتفال في الصفوف الخلفية، مما كان بمثابة الإساءة والإهانة للمؤسسة العسكرية.
وفي عرض الخطايا السبع لحكم الإخوان من خلال تسلسل زمني، كان الاعتداء على القضاء، بمثابة الخطيئة الثالثة، حيث يتمسك الشعب المصري بمؤسستين يكن لهما كل التقدير والاحترام، وأن تظلا بقوة وشموخ، ولكن جاء الإعلان الدستوري الذي أقره مرسي بعد أن تمت صياغته في مكتب الإرشاد، ليجعله حاكماً إلهياً عبر مواد في هذا الإعلان تعطيه الحق بإسقاط أحكام القضاء عبر قراراته، وهو ما جاء بثورة القضاة التي ساندها المصريون في مظاهرات في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 أمام دار القضاء العالي ونادي القضاة، بوقوف جموع شعبية تدعم القضاة في مواقفهم المواجهة لتصرف الرئيس باغتصاب سلطاتهم، ليكون فوق ميزان الحق.
تقسيم الشعب، هو الخطيئة الرابعة، والتي تزامنت أيضاً مع الإعلان الدستوري المكمل، حيث وجدت القوى السياسية ومن ورائهم المواطنون، فرعوناً جديداً يغتصب سلطات لم يجرؤ الرئيس المخلوع حسني مبارك الاقتراب منها لتخرج مظاهرات شعبية في شتى المحافظات، مما دفع مرسي وجماعة الإخوان لجمع المؤيدين لتوجيه رسالة من رئيس لكل المصريين، إلى تيار سياسي بعينه، ليتحول إلى رئيس لجزء من الشعب، والذي انقسم بطبيعة الحال، لا سيما مع وقوفه في موقع المتفرج عندما ذهب أنصار الجماعة لفض اعتصام المعارضين لحكمه أمام القصر الجمهوري في 5 كانون الأول/ ديسمبر لتكون مذبحة الاتحادية، المسمار الأول في نعش المعزول.
الحرب على الإعلام، هي الخطيئة الخامسة، إذ أصبحت مصر ساحة للمنابر الإعلامية المتنوعة ما بين الفكر الليبرالي والإسلام السياسي بعد ثورة يناير، وكان الليبرالي بطبيعة الحال في حالة هدوء حذر مع تولي مرسي، الذي كان يدعمه حوالي 30 قناة فضائية محسوبة على الإسلاميين، وقد تشجع الإعلام الليبرالي في مواجهة الرئيس الإخواني وجماعته، مع الإعلان الدستوري المكمل، والتعدي على سلطة القضاء ومذبحة الاتحادية، ليكون مهاجماً شرساً، وهو ما جعل ميليشيات الإسلام السياسي تتحرك بقيادة حازم صلاح أبو إسماعيل لاقتحام المدينة، وسط دعاوى بقتل أبرز الإعلاميين مثل عمرو أديب وخيري رمضان ويوسف الحسيني ولميس الحديدي، التي كانت يتنادى بها كوادر الإخوان قائلين: "يا مرسي ادي إشارة.. وإحنا نجيب لميس في شيكارة"، واستمرت الحرب الإرهابية على الإعلام مع سطوع نجم الإعلام الساخر باسم يوسف، الذي تعرض للسجن بتهم تتعلق بإهانة الرئيس وازدراء الدين الإسلامي، واستمر مخطط ضرب الإعلام بمحاولات غلق أكبر منابر التنوير في الشرق الأوسط مؤسستي "روز اليوسف" و"دار الهلال"، وبالطبع لم يقف الإعلام عاجزاً عن مواجهة مرسي وتيار الإسلام السياسي، لتلعب الفضائيات والصحف الدور الأكبر في الحشد الجماهيري لثورة "30 يونيو".
الخطيئة السادسة لنظام الإخوان، كانت التعالي على كل الأحزاب والقوى السياسية، والصدام معهم مبكراً، حيث لم تنظر الجماعة إلى ضرورة تكوين مؤيدين وداعمين سياسيين بقدر عملها الدائم في تكوين خصوم سياسية، لدرجة وصلت إلى إعلان الحرب والعداء على التيار السلفي الحليف الأول، والذي تم إقصاؤه والتخلي عن تنفيذ الوعود السياسية مقابل الخدمات، التي قدمها للجماعة ومرسي في الوصول إلى الحكم، مما دفع السلفيين إلى التحالف مع القوى السياسية الأخرى وتكسير قواعد معادلة مهمة، عندما تحالفوا مع اليسار والليبراليين ضد نظام الإخوان، وذلك بالإضافة إلى عمل الجماعة في التخلص من حلفاء العمل السياسي طيلة عهد حسني مبارك، بعد أن كانوا رفاق سجون ومعتقلات.
الخطيئة السابعة هي التعدي على الأمن القومي، في ظل محاولات مستشار الرئيس للعلاقات الخارجية عصام الحداد، نقل تجربة الحرس الثوري الإيراني، ليطبق في مصر، وذلك عبر اجتماعات جمعته بفيصل سليماني رئيس فيلق القدس بالحرس الثوري، وذلك لإتمام أخونة أجهزة الجيش والمخابرات والشرطة، واستمر التعدي على الأمن القومي وسط الدعاوى الخاصة من قيادات الإخوان بإمكانية الاستغناء عن أجزاء من سيناء، لإقامة دولة فلسطينية، فضلاً عما ردد من جانب الحكومة السودانية خلال زيارة مرسي للسودان عن التنازل عن مثلث حلايب وشلاتين، في الوقت الذي نشرت فيه مواقع الإخوان خريطة مصر بدون المثلث.