التفاؤل الذي رافق إطلاق حكومة الوفاق لعملية تنفيذ الترتيبات الأمنية، بهدف إرساء الأمن داخل العاصمة الليبية بقوات شرطة نظامية، وإنهاء دور الميليشيات المسلحة، بات يشوبه بعض القلق والشك مع تواصل المخاطر الإرهابية التي تلقي بظلالها على المدينة مستغلة سوء الأوضاع الأمنية. 

وفي ظل حالة الفوضى وغياب الاستقرار، مازالت المدن الليبية في مرمى التنظيم الإرهابي الذي يمتلك العديد من الإمكانيات والتكتيكات لعل أهمها تحريكه للخلايا النائمة في كثير من أنحاء البلاد. ففي مؤشر علي نوايا العناصر الإرهابية بإستهداف العاصمة الليبية، أعلن جهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية بالتعاون مع وحدة المتفجرات بجهاز الأمن الدبلوماسي نجاحهما، الجمعة، في تفكيك حقيبة متفجرات بمنطقة غوط الشعال بطرابلس. 

وبين المكتب الإعلامي بالجهاز؛ أن اكتشاف هذه الحقيبة جاء بعد ورود بلاغ إلى جهاز الأمن العام بوجود جسم غريب في مزرعة مهجورة بمنطقة غوط الشعال، مؤكدا أن الأجهزة الأمنية بدأت في جمع المعلومات والتحقيق في الموضوع وإحالته لجهات الاختصاص. ودعا جهاز الأمن العام المواطنين إلى الإبلاغ عن أي أجسام أو تحركات غريبة لأقرب مركز شرطة. 

وتأتي هذه الحادثة في أعقاب إخلاء عدة مقار في العاصمة الليبية طرابلس، ومنها مجمع "ذات العماد" الإداري الذي يضم مكاتب شركات نفطية دولية وبنوك مهمة في طرابلس، كما تم إخلاء مقرات تابعة لوزارة الخارجية الليبية، وذلك بعد ورود تهديد إرهابي من داعش. بحسب ما أكدت تقارير إعلامية. 

ونقل موقع "إرم نيوز"، عن مصدر أمني، قوله إنه توافرت معلومات للأجهزة الأمنية مفادها أن بعض الإرهابيين يخططون لتفجير الأبراج. وبحسب شهود عيان من محيط أبراج "ذات العماد" في طرابلس، فإن عدة شركات أجنبية قامت أيضًا بإخلاء موظفيها، من بينها شركة "شلمبرغر" الألمانية. 

وتعرضت العاصمة الليبية لهجمات إرهابية إستهدفت مقرات حكومية حساسة، وتسببت في سقوط قتلى وجرحى وأضرار واسعة النطاق. ففي 2 مايو 2018، شن مسلحون هجوما على مقر اللجنة العليا للانتخابات في منطقة غوط الشعال بغربي طرابلس، ما أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين قتيل وجريح وتسبب في إحداث دمار كبير في مقر المفوضية. 

وفي 10 سبتمبر/أيلول 2018، قامت العناصر الإرهابية بإستهداف مقر المؤسسة الوطنية للنفط، حيث دوت الانفجارات داخل المبنى وإطلاق نار كثيف،  كما تم احتجاز عدد من الموظفين مؤقتا كرهائن إلى حين وصول قوات الأمن لتحرر من كان في الداخل. وقد قتل فيه حارسي أمن، بالإضافة إلى مصرع المجموعة المهاجمة. 

. وفي 26 ديسمبر استهدف هجوم إرهابي مقر وزارة خارجية حكومة الوفاق الوطني الليبية، في شارع البحر وسط طرابلس، مخلفا عددا من القتلى والمصابين. وأعلن تنظيم داعش الإرهابي عقب ذلك، مسؤوليته عن الهجوم على وزارة الخارجية، مؤكداً أن ثلاثة من أعضائه نفذوا الهجوم. 

ولفت هذا الهجوم الأخير الأنظار إلى خطورة التهديدات الإرهابية، كما ألقى الضوء على الهشاشة الأمنية التي تعاني منها طرابلس. فتوقيت الهجوم تزامن مع تطمينات ساقها رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، والمبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، في أكثر من مناسبة، تؤكد أن الترتيبات الأمنية تسير بشكل جيد. 

ويبدو أن التنظيم "داعش"، يسعى من وراء هذه الهجمات إلى إثبات قدرته على مفاجأة المدن والمنشآت الحيوية من خلال عناصره المتخفية، في تحد واضح لمحاولات إرساء الأمن في العاصمة. ولا يخفي المسؤولون الأمنيون خشيتهم من إمكانية تغلغل التنظيم داخل طرابلس واستئناف عملياته القتالية

مخاوف عبر عنها فتحي باشاغا، وزير داخلية حكومة الوفاق الليبية، عقب استهداف وزارة الخارجية مباشرة، حين شن نقدا شديدا على أداء الحكومة بما في ذلك أداء وزارته. ووصف الوضع الأمني في العاصمة بأنه "فوضوي"، ويتيح للمنظمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي الحركة والعمل بحرية. 

وأكد باشاغا بأن الترتيبات الأمنية لم يتم تنفيذها على الإطلاق، مشيرا إلى أن "موارد وزارة الداخلية وقدرتها اللوجيستية والمالية حاليا ومخازنها تساوي صفرا، فيما يملك تنظيم داعش الإرهابي المال والموارد والعقيدة الفاسدة"

وتعيش العاصمة طرابلس حالة من عدم الاستقرار، حيث تدور بين الحين والآخر أعمال عنف واشتباكات بين المليشيات من أجل السيطرة على الأرض أو تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية والعسكرية وهو المناخ المناسب الذي تحبذه كل التنظيمات المتطرفة لأنه يساعدها على البقاء والنشاط بعيدا عن أي مراقبة. 

وشهدت العاصمة الليبية في 26 أغسطس الماضي اشتباكات هي الأعنف بين المليشيات، واستمرت لنحو شهر. وعلى أثر ذلك أعلن فايز السراج رئيس حكومة الوفاق تشكيل لجنة عرفت بـ"لجنة الترتيبات الأمنية"، في محاولة لبسط الأمن. لكن الكثيرين إعتبوا أن الخطة الجديدة التي اعتمدها السراج حول الترتيبات الأمنية بالعاصمة طرابلس، ضعيفة وغير كافية لإنهاء سطوة المليشيات المسلحة. 

ودخلت ليبيا منذ العام 2011، في دوامة من العنف والفوضى مثلت بيئة خصبة ومجالا مناسبا للتنظيمات الارهابية التي توغلت في الأراضي الليبية وجعلت منها مركزا لتجمع عناصرها ومنطلقا لها لشن عملياتها الارهابية داخل وخارج ليبيا. ويبقى السبيل الوحيد للخروج من هذه الأوضاع الصعبة بحسب المراقبين رهين التوافق بين الفرقاء وتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية القادرة على الوفاء بالمتطلبات الأمنية ومكافحة الإرهاب فى كل ربوع البلاد.