تتزايد المخاوف يوما بعد يوم من تفاقم الأوضاع في ليبيا وخروجها عن السيطرة وهو ما سيكون له تأثيرات عالى الأمن الاقليمي والدولي خاصة مع تحول البلاد الى مرتع للمرتزقة والعناصر الارهابية الذين نقلتهم تركيا الى هناك.وتتسارع الجهود لاحتواء التوتر القائم في ليبيا ومحاولة التوصل الى حلول سلمية للأزمة الراهنة،الأمر الذي يبدو صعبا خاصة في ظل التصعيد التركي الذي يعمل على تأجيج الصراع في البلاد.
وتتجه الأنظار الى جنيف،حيث تستأنف محادثات وقف إطلاق النار في ليبيا برعاية أممية.ونقلت وكالة "رويترز" عن المتحدث باسم الأمم المتحدة، بأن المنظمة الدولية ستستضيف،الجمعة 21 فبراير 2020،جولة جديدة من محادثات وقف إطلاق النار بين الأطراف الليبية، التي "تتقاتل من أجل السيطرة على العاصمة طرابلس" بحسب الوكالة.


وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أعلنت استئناف محادثات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) محادثاتها في جنيف، الخميس، ضمن مخرجات المسار الأمني لمؤتمر برلين الذي عقد 19 يناير/كانون الثاني الماضي.وتضم اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) ضباطا رفيعي المستوى ممثلين عن حكومة الوفاق الوطني والقيادة العامة للجيش الوطني الليبي وبرعاية الأمم المتحدة.
ويأتي استئناف محادثات جنيف وسط تصاعد التوتر في ليبيا على وقع تواصل التدخلات التركية التي تسعى لتأجيج الصراع واستمرار الفوضى.وأعلن المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، في بيان عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مساء الخميس، القبض على 13 عنصرا من الميليشيات في محاور طرابلس، من بينهم مرتزقة بعثتهم تركيا، بحسب ما جاء في البيان.
وفي وقت سابق،أعلن الجيش الليبي، الثلاثاء، إسقاط طائرة تركية مسيرة شرقي العاصمة، بعد أقل من 24 ساعة من استهدافه مخزن أسلحة وذخائر وصلت إلى ميناء طرابلس البحري.وأكدت هذه التطورات الميدانية استمرار التحركات التركية في ليبيا وعمليات نقل الأسلحة والمرتزقة بالرغم من الهدنة القائمة والجهود المتواصلة لانهاء الأزمة المتفاقمة في البلاد.


التحركات التركية المشبوهة أكدها الرئيس التركي بنفسه حين أقر،اليوم الجمعة،بنشر بلاده مرتزقة في طرابلس، في خطوة استفزازية تعزز من تعقيدات الحل السلمي للملف الليبي.وقال أردوغان للصحافيين في اسطنبول "تركيا متواجدة هناك عبر قوّة تجري عمليات تدريب وهناك كذلك أشخاص من الجيش الوطني السوري"، في إشارة إلى المرتزقة الذين كان يطلق عليهم سابقا اسم "الجيش السوري الحر".
الرئيس التركي ذهب الى أبعد من ذلك في استفزازه وصلفه حيث أكد، أنه لا يعتبر قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حتفر "محاورًا" له، وصفًا إياه بـ"المرتزق".وقال أردوغان في تصريحات نقلتها وكالة "الأناضول: "حفتر ليس محاورا لنا، إنه مرتزق ووضعه غير شرعي وغير قانوني".في مشهد أكد بما لا يدع مجالا للشك أن أنقرة هي المتحكم الفعلي في القرار في طرابلس بعيدا عن حكومة الوفاق.
هذا الامر اكده قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر،الجمعة،خلال مقابلة مع وكالة الإعلام الروسية "سبوتنيك" حين أعتبر أن تعليق حكومة الوفاق، برئاسة فايز السراج، المشاركة في محادثات جنيف برعاية الأمم المتحدة يأتي لعدم امتلاكها للقرار الشخصي وانسياقها "للأوامر من أنقرة والدوحة.
وأضاف قائد الجيش الوطني الليبي أن "حكومة السراج لا تملك قرارها فهي حكومة مرتهنة داخليا للمليشيات والمجموعات الإرهابية وخارجيا لتركيا وقطر"، مشيرا إلى أن "السراج لا يملك من أمره شيئاً، والدليل تصريحات أردوغان التي أكد فيها على ضرورة انسحاب الوفاق من محادثات جنيف".
وفي وقت سابق،أكد الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي أحمد المسماري،في مؤتمر صحفي مساء الأربعاء،قائلا أن أردوغان أصبح يصدر تصريحات رسمية وكأنه أصبح رئيس طرابلس.وأشار المسماري،الى إن أردوغان يتجه إلى التصعيد في الأزمة الليبية بشكل كبير جدا، ويواصل إرسال السلاح والإرهابيين إلى طرابلس وعرقلة أي مبادرة سلمية لحل النزاع الليبي.


وكانت حكومة الوفاق الليبية قد أعلنت في وقت سابق انسحابها من المحادثات، الثلاثاء الماضي، بعد قصف الجيش الوطني الليبي،ميناء طرابلس، مستهدفا مستودعات عسكرية تركية.وبالرغم من محاولة حكومة الوفاق اتهام الجيش باستهداف المدنيين في ميناء طرابلس فان آمر كتيبة النواصي، المكلف بتأمين الميناء،محمد الأزهر أبو ذراع،التابع لحكومة السراج نفى ذلك مؤكدا إن من قُتلوا في القصف هم "أفراد الأمن وعسكريون وليسوا مدنيين".
وتواصل تركيا دعم حكومة السراج بالذخيرة والسلاح واستقدمت مرتزقة من سوريا للقتال في مساعي لصد مكاسب الجيش الليبي الميدانية، الأمر الذي يعرقل المساعي الدولية لإيجاد تسوية سياسية.أعلن القائد العام للجيش الوطني الليبي خليفة حفتر استعداده للموافقة على وقف إطلاق النار في البلاد، إذا لُبيت شروطه، التي تتضمن "انسحاب القوات التركية والمرتزقة" منها، ووقف إمدادات السلاح وتصفية الجماعات الإرهابية في العاصمة طرابلس.
وقال حفتر لوكالة "سبوتنيك": "كما قلنا سابقا فإن صبرنا بدأ ينفد حيال الخرق المتكرر للهدنة من قبل عصابات ومرتزقة أردوغان والسراج وعدم الوفاء بالتعهدات ببرلين. والقوات المسلحة تقيم الوضع بطرابلس وتتواصل مع كل الأطراف الدولية وهي جاهزة لكل الاحتمالات ما لم يقم المجتمع الدولي ودول برلين بتحمل مسؤولياتها تجاه الاحتلال التركي لبلادنا".
وأكد حفتر أن الجيش الوطني الليبي لا يعارض تسيير دوريات لدول الاتحاد الأوروبي على خطوط التماس لمراقبة وقف إطلاق النار.وأضاف أنه "لا بد للاتحاد الأوروبي أن يضطلع بدوره في مراقبة تدفق الأسلحة والمرتزقة السوريين والأتراك الإرهابيين الذين يتم نقلهم لطرابلس عبر تركيا، ونحن نؤيد وجود دوريات أوروبية بحرية تمنع تركيا من الاستمرار في نقل الأسلحة والمرتزقة لطرابلس.
وكان الاتحاد الأوروبي قد اعلن مؤخرا اعتزامه مراقبة حظر توريد أسلحة لليبيا مستقبلا عبر مهمة بحرية جديدة من المقرر أن تبدأ بحلول نهاية شهر مارس المقبل.وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس،الاثنين الماضي، في بروكسل إن "هناك اتفاقاً مبدئياً حول مهمة جديدة للاتحاد الأوروبي"، مضيفاً "هذه المهمة سيكون لها أيضاً عنصر بحري موجه إلى الطرق التي يسلكها الذين يجلبون أسلحة إلى ليبيا، أي في شرق البحر المتوسط".


ولم ينجح ممؤتمر برلين في وقف التدخلات التركية في الشأن الليبي حيث واصلت أنقرة نقض تعهداتها.وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص الى ليبيا غسان سلامة أعرب في كلمة توجه بها إلى مجلس الأمن الدولي عن "بالغ الغضب وخيبة الأمل" إزاء مسار تطور الأوضاع منذ انعقاد المؤتمر في ألمانيا بحضور زعماء روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
وكثفت تركيا من وتيرة تحركاتها لتأزيم الأوضاع في ليبيا،وكشفت تقارير أن عدد المرتزقة الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا أو تستعد لإرسالهم إلى هناك في ارتفاع مستمر.وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان أكد أن عدد المرتزقة الذين نقلتهم تركيا أو تعدهم للنقل إلى ليبيا، قد ارتفع إلى ما يقارب 4700 مقاتل.
وبين تقرير للمرصد أن هؤلاء المرتزقة المرسلين من قبل نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بهدف تقديم الدعم لحكومة الوفاق في طرابلس بدأوا تكبد خسائر بشريةووفق المرصد قتل 72 مقاتلا من بين من أرسلتهم تركيا للمشاركة في معركة طرابلس ضد الجيش الوطني الليبي. وهرب 64 من المرتزقة إلى أوروبا عبر ليبيا. وحسب المرصد فإن "نحو 64 مقاتلا من ضمن الذين توجهوا إلى ليبيا، باتوا حاليا في أوروبا".
ويثير التدخل التركي السافر غضبا في الأوساط الليبية التي تعتبره غزوا،وخولت القبائل والنخب الليبية، في بيانها الختامي للقائها بترهونة، الخميس، القوات المسلحة بالبدء بسرعة حسم المعركة والقضاء على المليشيات، مع التأكيد على مقاومة كافة أشكال الغزو الخارجي وفي مقدمتها الغزو التركي. وشدد المجتمعون على عدم قبول أي حوار أو هدنة قبل خروج كافة الإرهابيين والمرتزقة من ليبيا، ورفع قضايا دولية ضد الدول التي صنعت الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا وعلى رأسها قطر وتركيا.
واجتمع 4 الآلاف شخص من شيوخ وأعيان القبائل والمدن والنخب الليبية فى مدينة ترهونة غرب ليبيا على مدار يومين، للتأكيد على أن ليبيا دولة مستقلة ذات سيادة وموحدة، موضحين أن بلادهم تعاني انقساما سياسيا وغزوا  تركيا وتدفقا متواصلا للمرتزقة والإرهابيين، مؤكدين مقاومتهم للتدخل الخارجي وفي مقدمته الغزو التركي ورفض أي اتفاقية تشكل خطرا على الأمن الليبي.
كما طالب البيان الختامي الأمم المتحدة بسحب اعترافها بما يسمى بالمجلس الرئاسي ومجلس الدولة اللذين لم يحصلا على اعتراف مجلس النواب الليبي، داعيين إلى محاكمة المجلسين بجريمة خيانة الوطن.وشددت قبائل ليبيا على أن المصالحة الوطنية الشاملة أساس بناء العلاقة الوطنية لتضميد الجراح وجبر الضرر لخلق وئام اجتماعي وضمان وحدة الدولة ومؤسساتها.

وقررت القبائل الليبية الإعلان عن تشكيل مجلس مشايخ وأعيان ليبيا واعتباره الجسم الشرعي والوحيد الممثل لكل القبائل الليبية وتعتبر القبائل والمكونات الاجتماعية في كافة المدن والقرى والأرياف الليبية هي صمام الأمان لترسيخ قواعد السلم الاجتماعي وهي الضامن الأول لقيام دولة مدنية ديمقراطية مستقرة.
ويرى مراقبون،أن محادثات جنيف التي وصفها المبعوث الأممي غسان سلامة بأنها "صعبة جدا لكنها ليست مستحيلة"،تواجه صعوبات كبيرة قد تجعل مصيرها كغيرها من الاجتماعات والمؤتمرات التي فشلت في حل الأزمة الليبية.ويشير هؤلاء الى أن التدخل التركي يمثل عائقا رئيسيا أمام التوافق بين الفرقاء حيث باتت أنقرة المسيطر الفعلي على القرار في طرابلس بعيدا عن حكومة الوفاق التي تحولت الى مجرد واجهة يسعى من خلالها أردوغان لتمرير مخططاتها الهادفة الى السيطرة على البلاد ونهب ثرواتها.