لم يتأخّر الوضع كثيرا على الإنفجار في العاصمة الليبية طرابلس،بعد تصاعد الأمل في التوصل الى تسوية سياسية شاملة في البلاد.أمل فتحت أبوابه توافقات بين مجلسي الدول والنواب، بدأت منذ أواخر العام الماضي، وتوّجت مطلع العام الجاري،بإعلان خارطة طريق للذهاب نحو إنتخابات رئاسية وبرلمانية.

العاصمة الليبية،إستفاقت على وقع اشتباكات هي الأعنف منذ أكثر من عام،تحولت خلالها عدة احياء في المدينة الى ساحة قتال عنيف بين اللواء 444 ،التابع لوزارة الدفاع في حكومة الوحدة، وقوة الردع الخاصة التابعة للمجلس الرئاسي الليبي،وهما يعتبران من بين اقوى الفصائل المسلحة في غرب ليبيا.

وأظهرت مقاطع مصورة على الإنترنت، مقاتلين في مناطق في الضواحي الجنوبية لطرابلس، مع إنتشار لآليات عسكرية ثقيلة،وسط إطلاق نار كثيف وقذائف صاروخية.وقال بعض السكان أن المنازل ترتج لعنف الاشتباكات والانفجارات القريبة من المنازل والمحال التجارية.

وقالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، في بيان لها أن الاشتباكات المسلحة،اندلعت في الشوارع وداخل الأحياء السكنية المكتظة بالسكان المدنيين، والتحصن بداخلها واستخدام المدنيين كدروع بشرية"، مشيرة إلى رصد التمركز والتحصن بداخل المرافق الصحية، في استهتار صارخ بحياة المدنيين الأبرياء،وكذلك رُصد وقوع عدد من الضحايا من بينهم 3 مدنيين،واصابة عدة مواطنين.

وتأتي هذه الاشتباكات على خلفية قيام قوات "الردع الخاصة"، باختطاف آمر "اللواء 444 قتال" محمود حمزة،من مطار معيتيقة الدولي، أثناء محاولته السفر.ويعد حمزة أحد ابرز قيادات الجماعات المسلحة في غرب البلاد.والمفارقة أنه كان مقربا من قوة الردع فقد كان احد قياداتها قبل ان ينشق ويؤسس كتيبة "20-20" ومقرّها معيتيقة،والتي تحوّلت لاحقا إلى اللواء 444.

وتسببت الاشتباكات في سقوط قتلى وجرحى،وأجليت عائلات من منازلها، وأغلقت المدارس والجامعات ابوابها بعد تعليق الدروس،فيما نقلت الطائرات من مطار معيتيقة، إلى مطار مصراتة،على بعد 180 كيلومترا شرقي طرابلس خشية إصابتها.

لم تكن هذه الإشتباكات الأخيرة،مفاجئة فمنذ اشهر تشهد عدة مناطق وخاصة العاصمة طرابلس سلسلة من عمليات الإختطاف، كان آخرها المهندس خالد التواتي،مدير عام شركة النقل البحري الذى أختطف من قبل جماعة مسلحة في منطقة غوط الشعال بعد مغادرته مكتبه في وضح النهار،وتم إقتياده إلى جهة غير معلومة.

وفي يوليو الماضي،كشفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،عن قيام جهات أمنية بعمليات خطف واعتقال تعسفي واختفاء قسري لشخصيات عامة في البلاد،وأكدت البعثة أن هذه الأعمال "تزيد من التوترات بين المجتمعات المحلية والقبائل"، داعيةً إلى سرعة الإفراج عنهم والامتناع عن التصعيد بما فيه استخدام خطابات التحريض.

حالة الإنفلات الأمني في طرابلس وان كانت أمرا متواصلا منذ سنوات،فان عمليات التصعيد التي تبدأ بالاختطاف والاغتيالات لتصل الى الاشتباكات المسلحة العنيفة،بات واضحا ارتباطها بالتطورات السياسية الايجابية في البلاد.فالاشتباكات الاخيرة تأتي في وقت تصاعدت فيه التحركات لاجراء الانتخابات. 

وهي التحركات التي بنيت اساسا على توافقات هامة ومفصلية بين مجلسي النواب والدولة، أفضت الى خطوة تعتبر الابرز منذ سنوات،وهي تشكيل لجنة "6+6" المشتركة،لإنجاز القوانين الانتخابية،التي شكلت مصدر الخلافات الأبرز بين الجسمين التشريعيين،الامر الذي رفع منسوب الامل بالرغم من التعقيدات التي مازالت تلاحق اقرار هذه القوانين.

وتذكر هذه الاشتباكات بأخرى جرت في سبتمبر 2021،بين "قوة دعم الاستقرار" و"اللواء 444 قتال"،سبقتها اشتباكات دارت في اكتوبر من العام نفسه،في مدينة الزاوية غربي طرابلس، وحوادث إختطاف ومناوشات داخل العاصمة.وجرى كل ذلك قبل انتخابات كانت مقررة في ديسمبر من العام نفسه بعد توافقات هامة.

يدرك أمراء الحرب،ان إجهاض محاولات إجراء إنتخابات في البلاد،هو مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم.فطيلة السنوات الماضية،توغلت الجماعات المسلحة، في مفاصل الدولة،مستغلة جيش أو شرطة نظاميين،وتقاسمت النفوذ بكل امتيازاته من سلطة ومال وقوة وعلاقات.ولذلك تعمل الجماعات المسلحة على ابقاء الحال على ما هو عليه لخدمة مصالحها.

بالرغم من أن قرار الذهاب الى الانتخابات يمثل الحل الانسب لانهاء صراع الشرعية وارساء حكومة موحدة وتوحيد المؤسسات،لكن واقع الأرض يفرض تساؤلا ملحّا،هل يمكن إجراء العملية الانتخابية في وضع تنقسم فيه البلاد بين حكومتين،وتنتشر فيه المجموعات المسلحة المختلفة الولاءات والأهواء،ويمكن تأمين الناخبين والمراكز الانتخابية والمرشحين؟